لو أجري استفتاء يقيس مدى رضا المواطنين عن وزارة الداخلية فإن النسبة لن تكون مرضية.. ليس لأنها أخلت بواجباتها الأمنية بل لأن جهازاً تابعاً لها أصبح عالة عليها وعلى نجاحاتها المشهودة؛ قبل أن يصبح عالة على حركة المواطنين اليومية.! إحصائية جديدة تقول إن حوالي عشرين شخصاً في المملكة يموتون يومياً في حوادث مرورية.. أي أكثر من سبعة آلاف نفس تزهق سنوياً جراء هذه الحوادث بخلاف الإصابات التي تخلفها والتي تحتل نسباً كبيرة من اشغال المستشفيات. مدير الأمن العام الفريق عثمان المحرج قال يناير الماضي بان أداء إدارات المرور غير مرض، ولا يوجد لديها أي تطور ملموس، مضيفاً أن الحوادث المرورية باتت مقلقة ومزعجة للجميع، وأصبحت هي القاتل الأول. الواقع يقول إن القاتل الأول في المملكة ليس الحرب على الإرهاب ولا الحرب على الحدود ولا السرطان ولا السكري ولا حتى الذين يتوفون وفاة طبيعية.. بل هو الحوادث المرورية.. ورغم ذلك لا نرى استنفاراً يوازي هذا الرقم الفاجعة.. فإذا كنا نخصص ١٠٠ مليار ريال سنويا للخدمات الصحية فكم يستحق الجهاز المسؤول عن ضبط القاتل الأول في المملكة.. وإنقاذ الناس قبل أن يصلوا للمستشفيات.. سبعة الاف نفس سنوياً ليست رقماً عابراً أو مسؤولية كائنات فضائية.. بل مسؤولية جهاز يفترض إعادة النظر في كفاءته ومدى قدرته على القيام بواجباته تجاه هذا الفقد اليومي الكبير!. عدد من المسؤولين في المرور اعتادوا رمي المسؤولية على غياب ما يسمونه بالثقافة المرورية.. والحقيقة أن ذلك يثبت انهم أضعف من الشماعة التي يعلقون عليها تقصيرهم.. والدليل أن ضعيفي الثقافة المرورية هم أنفسهم الذين ينضبطون في الشوارع الاوروبية والأميركية والخليجية.. وهم أنفسهم الذين يقفون منضبطين عند إشارات ساهر.. التي لا تعرف المجاملة ولا التكاسل ولا تفضل استخدام السيارات المكيفة على الراجلة. المشكلة في الجهاز الغائب الذي أصبح عالة على الحركة المرورية بسبب تخريجاته وأفكاره المرتجلة التي لا تتجاوز إغلاق مخرج وفتح آخر.. أو رمي المسؤولية على وزارة النقل أو ضعف الثقافة المرورية.. الجهاز الذي استحالت مع غيابه شوارعنا إلى مراكز تعليم لسائقين تحت التدريب وحلبات سباق لمراهقين منتحرين.. الفشل ليس في سيارة أو سائق أو طريق بل في ثقافة إدارة لا يمكن إصلاحها.. وكما احتفلنا مؤخراً بإلغاء العديد من الأجهزة الحكومية الزائدة؛ فإننا ننتظر إراحة وزارة الداخلية من هذا الجهاز العالة عليها وعلى نجاحاتها.. ونقله إلى وزارة النقل تتشارك إدارته مع القطاع الخاص. وهنا لا بد أن أعترف في الختام؛ أنني أعلم مثلكم أن هذا المقال ومئات المقالات السابقة لن تجدي نفعاً مع هذا الجهاز.. لكنها والله أمانة القلم وإبراء للذمة.