في بداية شهر رمضان المبارك أصدرت إمارة منطقة المدينة المنورة بيانًا، أكدت فيه أنه بمتابعة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير المنطقة تم إحياء سوق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - «المناخة»، وتخصيص (1000) موقع للباعة الجائلين بعد تأهيل السوق. وكان هذا السوق معروفًا في عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأكد البيان أنه يتم تحقيق هذا الهدف بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - التي تؤكد أهمية العناية بتراث الأمة وميراث النبوة حسًّا ومعنى، وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. وشهدت المدينة المنورة اليوم إحياء سوق المناخة التاريخي بعد أن تم إعادة تأهيله من قِبل الجهات المعنية، بناء على متابعة وتوجيه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة بإتاحة سوق المناخة التاريخي للمستحقين، وتمكين الباعة الجائلين من استخدامه لعرض بضائعهم. وبمتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز فقد خصصت اللجنة المكلفة بتأهيل سوق المناخة نحو ألف موقع للباعة الجائلين، وبدأ الباعة مزاولة عرض بضائعهم لزوار المسجد النبوي الشريف. ويُمنع احتكار الموقع، ويتم إخلاؤه خلال الساعات المخصصة للنظافة والصيانة، أو متى ما كان هناك حاجة لاستخدام الموقع للصلاة، خاصة لمجاورته ساحات المسجد النبوي الشريف من الجهة الغربية. وكان سمو أمير منطقة المدينة المنورة قد وجَّه بتأهيل السوق التاريخي وإحيائه، والحفاظ على هويته بوصفه موقعًا حرًّا للبيع، وذلك عقب تفقد سموه لموقع السوق الذي يعد من المعالم التاريخية المرتبطة بالعهد النبوي الشريف. والمناخة أحد أحياء المدينة المنورة، ويقع غربي المسجد النبوي من ثنية الوداع (الشامية) شمالاً إلى بداية قربان جنوبًا. وكان القسم الشمالي منه ميدانًا للتدرب على ركوب الخيل والرماية، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضر بعض المرات، ويحض المتدربين على أن يجودوا، ويسابق بينهم أحيانًا. وقد بُني في موقع السباق مسجد سمي مسجد السبق. وفي قسمه الثاني اختط رسول الله للمسلمين السوق في السنوات الأولى من الهجرة؛ ليخلصهم من سيطرة اليهود على الأسواق الأخرى، وقال: «هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ منه خراج». وكان السوق مكشوفًا، ليس فيه بناء، ويحضر التجار إليه صباحًا، ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه، ويتاجر إلى نهاية اليوم، ثم يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني. وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بُني في منطقة السوق بناء كبير، ونُظمت فيه الدكاكين؛ ليكون سوقًا ثابتًا، ولكن أهل المدينة هدموا البناء إثر وفاة هشام. وفي العهود المتأخرة بُني مرة ثانية، واستثمره بعض المستفيدين. وفي فترة الحرب العالمية الأولى حوصرت المدينة، وتم هدم السوق، بعد ذلك قام حي سكني في المنطقة لقربها من المسجد النبوي، وبقيت فيه في الدور الأرضي من مساكنه دكاكين ومعارض تجارية، ثم أزيلت في مشروع تحسين المناطق المحيطة بالمسجد النبوي، وحُفر على امتداد المنطقة نفق للسيارات، يصل بين طريق سيد الشهداء شمالاً وأول منطقة قربان جنوبًا. وستبقى ساحة المناخة وامتداد السوق القديم ممرًّا للمشاة ولخدمة المسجد النبوي. ويقول الدكتور تنيضيب الفايدي الباحث المعروف: سوق المدينة (المناخة) أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمت المحافظة على المكان فترات طويلة، وهو أحد الأماكن ذات العبق التاريخي المرتبطة بالعهد النبوي، ويقع غربي المسجد النبوي، ويبدأ شمال مسجد الغمامة (المصلى)، ويمتد إلى القرب من ثنيات الوداع شمال المدينة المنورة قديمًا، أي يحد سوق المدينة من الجنوب مسجد الغمامة (المصلى)، ويمتد حتى شرق جبل سليع (باب الكومة). وقد اشتُهرت المناخة كذلك بأن جزءًا منها - وهو الجزء الشمالي الأقرب إلى ثنية الوداع - كان مركزًا لمسابقة الخيول، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضر أحيانًا. وقد بُني في موقع السباق مسجد يسمى مسجد السبق (قد أزيل حديثًا)، فعن عبدالله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء (في الشمال الغربي لجبل أحد)، وكان أمدها (نهاية السباق) ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق (أي: مسجد السبق)، وأن عبدالله بن عمر كان ممن سابق بها. وقد اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوق المناخة للمسلمين ما بين مسجد السبق (الذي سمي لاحقًا بمسجد السبق) ومسجد الغمامة، وذلك بعد هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة؛ ليخلصهم من سيطرة اليهود على الاقتصاد في المدينة المنورة، وبقي هذا السوق صامدًا حتى وقت قريب. ويعرف أهل المدينة حدود ذلك السوق حتى وقت قريب؛ إذ تبتدئ الحدود الأصلية لهذا السوق من مسجد المصلى (الغمامة) إلى قلعة الباب الشامي (والقلعة كانت على جبل سليع باب الكومة، وقد أزيلت). وأصول هذه الحدود قديمة كما ذكرت آنفًا؛ فقد روى ابن شبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب قبة في موضع بقيع الزبير فقال: هذا سوقكم. فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا جرم لأنقلنها إلى موضع هو أغيظ له من هذا»؛ فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: «هذا سوقكم لا تتحجروا ولا يضرب عليه الخراج». وفي رواية أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد رأيت موضعًا للسوق أفلا تنظر إليه؟ فجاء به إلى موضع سوق المدينة، قال: فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - برجله، وقال: «هذا سوقكم فلا ينقص منه ولا يضربن عليه خراج». ولم تذكر المصادر حدودًا معينة للسوق أو مساحةمحددة بالضبط، كما أنه لا توجد مبانٍ بهذا السوق، وإنما هو فضاء، يحضر التجار إليه صباحًا، ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه، ويتاجر إلى نهاية اليوم، ثم يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني. كما لا توجد له أبعاد من حيث الطول أو العرض في أول إنشائه، غير أنه محدود عند إنشائه بمواقع؛ فقد ورد عن عبدالله بن محمد أنه قال: «كان الراكب ينزل سوق المدينة فيضع رحله، ثم يطوف بالسوق ورحله بعينه، يبصره لا يغيبه عنه شيء». ويظهر من هذا أن مساحة السوق متوسطة بحيث يرى الزائر ركبه، ثم انطلق هذا السوق مع دور السكن في العصر الأموي في عهد هشام بن عبدالملك، وظهرت الشوارع التجارية لتسهيل حركة الأفراد وحركة البضائع، كما نُظمت فيه الدكاكين ليكون سوقًا ثابتًا. وقد سُمي سوق المناخة بأسماء متعددة، منها: سوق المدينة، بقيع الخيل، سوق المصلى، سوق البقيع، سوق البطحاء وسوق الزوراء. وكانت هناك أسواق متعددة بالمدينة المنورة (يثرب) قبل سوق المدينة، أو متزامنة معه، أو بعده، منها: سوق بني قينقاع، سوق بالصفاصف، سوق زبالة، سوق مزاحم وسوق النبيط أو النبط، ثم أصبحت هناك أسواق بأسماء مختلفة حسب نوع ما يباع، مثل سوق الخيل، سوق الإبل وسوق التمر.. إلخ. إنه مكان سوق المدينة ليس أي مكان.. إنما هو مكان اختاره صلى الله عليه وسلم، وخطه سوقًا للمسلمين بالحبيبة مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.