لماذا تشعر أميركا بالخوف من انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوربي؟ ويمكن تذكير القارئ بخطوات قامت بها الولايات المتحدة غير مسبوقة من قبل. فلم يحدث من قبل أن قام رئيس الولايات المتحدة بزيارة إحدى الدول الديمقراطية في محاولة للتأثير في الانتخابات. ولم يحدث حتى الآن أن قام 13 وزير خارجية ودفاع سابقين بالمخاطرة بإرسال رسالة لناخبين أجانب للتأثير في سير الانتخابات، والشيء ذاته فعله ثمانية وزراء مالية سابقين وخمسة قادة لحلف شمال الأطلسي (ناتو). ولم تكتف المؤسسات الحاكمة في الولايات المتحدة بانتهاك قاعدة عدم التدخل التي تعمل بها، وإنما داست عليها بالأقدام. ويبدو من هذا الاهتمام، أن المملكة المتحدة تحظى بأهمية فريدة من أجل مستقبل العالم. • إضافة إلى كونه قدم معروفاً لصديقه كاميرون، فإن باراك أوباما لديه محفزات أخرى، إذ إن النخبة الحاكمة في واشنطن لديها مخاوف حقيقية من أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شرارة تفتت الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاقوال تروق للبريطانيين الذين يعيشون في واشنطن بصورة خاصة، إلا أن ثمة ما هو وراء السطور، الذي يمكن تلخيصه في كلمتين هما «دونالد ترامب». وإذا كان البريطانيون حمقى بما يكفي لمغادرة الاتحاد الأوروبي، فإن لدى الأميركيين من الجنون ما يدفعهم إلى انتخاب ترامب. وبالطبع ليس هناك من يدّعي بوجود علاقة سببية بين ما سيحدث في بريطانيا في 23 يونيو، وانتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل. ومعظم الناخبين الأميركيين لم يسمعوا بموضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أنهم لا يعنيهم بقاء بريطانيا أو خروجها هذا إذا علموا بالموضوع. وكانت أوجه الشبه الشعبية بين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومؤيدي ترامب قريب جداً، إلى حد مخيف. وتبدو محفزاتهم بسيطة بصورة متعادلة بين الطرفين. إذ إن مغادرة أوروبا بالنسبة لأنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، يعادل بناء الجدار على حدود المكسيك بالنسبة لأنصار ترامب. ومن وجهة نظر، فإن جدار ترامب الجميل لا يختلف عن الانعزال الرائع لمحافظ لندن السابق بوريس جونسون، وهو قائد حملة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي: وكلاهما أوهام طائشة. ويعتمد الطرفان حالياً على الكلام القانوني المزيف لأبطالهم المفرطين في الثراء. ويريد جونسون تحرير المملكة المتحدة من الأنظمة الأوروبية التي غالباً ما كانت زائفة. ويلح ترامب على أنه يعارض المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين، إذ على ما يبدو أنه يرحب بالشرعيين منهم. ولكن في واقع الأمر فإن النية الحقيقية للطرفين تستند إلى التعصب القومي والشعبوية. وكلاهما يستطيع التحدث عن نفاق النخبة التي تعارضهما. ووعد رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون أن يكون الحد الأعلى للاجئين الداخلين إلى المملكة المتحدة بنحو 10 آلاف سنوياً، وهو وعد لم يتمكن من الإيفاء به. ووعدت الإدارات الأميركية المتعاقبة بفرض حراسة مشددة على الحدود الأميركية قبل أن تقدم العفو. ومن ثم تأتي فكرة مستقبل العالم الغربي، ففي أبريل الماضي قام الرئيس باراك أوباما بزيارة لبريطانيا، وألقى خطاباً شجع البريطانيين على البقاء في الاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى كونه قدم معروفاً لصديقه كاميرون، فإن أوباما لديه محفزات أخرى، إذ إن النخبة الحاكمة في واشنطن لديها مخاوف حقيقية من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون شرارة تفتت الاتحاد الأوروبي. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى انهيار حليف أميركا الأوروبي. ولطالما كانت القوة الأميركية في العالم تتعاظم عن طريق قوة حلفائها. ويمكن أن يؤدي انعزال أقرب حلفاء أميركيا في أوروبا إلى بدء التفتت العظيم.