كتبت ذات مرة عن الانتخابات في الحقل الثقافي؛ وقلت إنني مؤمنٌ تماماً بها من حيث المبدأ، لأنها سلوك حضاري تُفرز للمجتمع المتميزين الذين يستطيعون خدمة الحقل المهمومين به والمُشتغلين فيه، ولكن لم تُوفق التجربة في نسختها الأولى لأنها أتت ببعض المُرتزقة على فتات الثقافة، وأبعدت أصحاب الحراك الفاعل عن قيادة مجالهم، ولعل السبب في ذلك لا يخفى على أحد، فالانتخابات ممارسة نشأت في الحقل السياسي وتشرَّبتْ مبادئه المُريبة، واستخدم فيها السياسي كل أساليب التلُّون لتحقيق هدفه بغض النظر عن أي اعتبارات أخلاقية، وهذا ما لم يستطع أن يفعله المُثقف الحقيقي الذي يحمل الثقافة كقضية ، وينافح عنها كرسالة ، فلا مبادئه ولا أخلاقه تسمح له بارتكاب خيانة ذاته وبيع قضيته بشراء الأصوات بثمن بخس من الذمم، والعمل على استغلال ثغرات اللائحة المُنظمة للانتخابات للوصول إلى سُدَّة الأندية الأدبية وبعدها «كبِّر المخدة». الحقيقة في أحايين كثيرة تكون مُرَّة، وللأسف واقع أغلب أنديتنا الأدبية يئن من مُخرجات الانتخابات السابقة، الأمر الذي انعكس سلباً على أدائها جرَّاء تحوِّلها من مراكز تنوير إلى تجمعات شُللية تسعى لخدمة صالحها الشخصي على حساب إحداث حراك ثقافي جَمْعِي يُحرِّك الراكد في بُنية المجتمع، ويذهب إلى الزوايا المنسية التي يتوارى فيها المُبدع بعيداً عن الأضواء خجلاً من طلب الظهور الذي لن يتسنى له مادام أنه يحترم نفسه، وما نجاح الصوالين الأدبية الشخصية وتجاوزها فِعْل الأندية الأدبية سوى شاهد إثبات على تشتت الرؤية وهُلامية الرسالة لبعض القائمين على إدارة الحركة الثقافية من خلال ذراعها الأقوى. والمؤلم ألاّ نستفيد من أخطاء التجربة السابقة فبمجرد أن تُسند إدارة الانتخابات القادمة لإدارة الأندية الحالية؛ فهذا يعني أننا نستنسخ الخطأ ونُعزز وجودها لفترة قادمة تَخْتَطِفُ فيها الأندية بعيداً عن مسارها الطبيعي؛ لذا أتمنى على الهيئة العامة للثقافة -وهي تخطو خُطواتها الأولى- أن يكون لها الكلمة الفصل في إعادة تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات، بحيث تكون مُستقلة تماماً عن الأندية الأدبية حتى نضمن للمثقفين الحقيقيين مكانهم في قيادة مستقبل الثقافة. Zaer21@gmail.com