يغوص أحمد عقيل في محيطات الذاكرة، ليعود إلى أكثر من 35 عاما، عندما كان شابا طموحا ومندفعا يعمل في مهنة السقائين (مهنة محلية لبيع المياه) في محله بحراج الخردة القديم، حيث كان للسقائين دورهم في المجتمع المدني من خلال مهنة السقاية، في وقت كان الحراج يشكل أهم نقاط التسوق في المدينة المنورة. التطور العمراني جعل من الحراج القديم مهجورا في رمضان ومن مهنة السقائين مهنة منعدمة في الوقت الحالي، ويؤكد ذلك بحسرة أحمد عقيل، واصفا المكان بمجمع الصناع والمثقفين والتجار والبائعين، «كانوا بعد بعد صلاة التراويح يجتمعون هنا للحديث والنقاشات المفتوحة، بيد أن الحراج اليوم لم يعد كذلك، فالسوق انتقل إلى مكان آخر، دون أن ينقل ذكرياته معه». ويضيف : «الناس توجهوا إلى الأسواق الرئيسية الكبيرة وتركوا موطأ أقدام «الطيبين» خالية يحدوها الفراغ والسكون وصوت الرياح، ولم يعد هناك إلا زبائن قلة يهتمون بالآثار مثل البنادق القديمة وكذلك الخناجر وغيرها». أحمد عقيل الذي بدا مهتما بهندامه الخارجي، يسعى جاهدا أثناء حديثه العروج إلى الزمن قبل 3 عقود، ويردد مقولة محلية قديمة «السقا يعرف وجه المتغدي»، مفسرها إياها بـ «أن السقائين كانوا يعرفون المتغدي من الجائع، حيث إنه عند تقديمهم للماء فإن المتغدي يشرب مرتين وثلاثا، بينما الجائع لا يشرب وبالتالي سرت هذه المقولة». ورغم توغل عقيل في تفاصيل مهنته وحياته العملية بعد اندثارها قبل أكثر من عقدين، إلا أنه دائما ما ينوه على أن التكاتف في شهر رمضان كان شائعا ولا زال إلى اليوم بين الناس. بعد التراويح يسند عقيل ظهره على جدارية محله الممتلئة بالتحف والأدوات القديمة برفقة صحبة نسجت زوايا حراج الخردة القديمة ثوب ذكرياتهم، ويطغى على المكان روح التسامح والملاطفة، وعندما تفرغ الجلسة من رجال الذكريات والصحبة، يتجه عقيل جنوبا إلى أسرته لتمضية ما تبقى من اليوم.