بما أن السعودية كانت في طور النشأة كانت الشخصيات القيادية وذات الحضور الطاغي مهمة جداً، لتعوض غياب المؤسسات. ومن رحم هذه الندرة خرجت شخصيات عدة من خارج الأسرة الحاكمة أسهمت كثيراً في حياتنا. ويعد عبدالله السليمان الوزير الأول ومدير المالية، أحد أهم الشخصيات في التاريخ السعودي، إذ برز كوزير ملهم وإداري محنك سبق عصره، واختصر في نفسه ووزارته كل الوزارات. ويتلوه ماكس ستاينكي الجيولوجي الذي اكتشف النفط شرق البلاد، وهو ما حوّل السعودية من دولة فقيرة إلى إحدى الدول الـ20 المسيطرة على اقتصاد العالم. ومن شرق السعودية إلى ساحلها الغربي، يأتي محمد سرور صبان ابن القنفذة التي ولد فيها، منتقلاً في ما بعد مع أسرته إلى مكة التي برز فيها حتى أصبح وزيراً للمالية السعودية. الصبان يعد المؤسس الحقيقي للمالية، إلا أن أهم أدواره كونه أحد أهم عرابي الأدب والثقافة والعمل المدني في الحجاز والسعودية. ولن نغادر مكة إلا ويذكر محمد عوض بن لادن، الباني لواحدة من أكبر شركات المقاولات في العالم. لم يكن «المعلم» كما يطلق عليه إلا رجلاً عصامياً، لامس السعوديين بل المسلمين بجودة عمارته للحرمين الشريفين، إضافة إلى قدرته على اجتراح معجزات البناء في وقته. أما سالم بن محفوظ، فهو أبو المصارف السعودية وعبقري الصرافة الذي حوّل عملاً تقليدياً في تغيير العملات إلى تأسيس البنك الأهلي، أكبر مصارف الشرق الأوسط. ويعتبر محمد طاهر دباغ المعلم الأول ومؤسس التعليم النظامي في السعودية، فكان شاباً متعلماً في بيئة أمية، ومنذ أن عُيّن مديراً للتعليم عمل على نشر التعليم ومحو الأمية والجهل. ولن تنسى السعوديات الدور الرائد والمؤثر للملكة عفت الثنيان، حين رمت بكل ثقلها وراء تأسيس تعليم الفتيات. وإذا ذكر الرواد المؤثرون، فسيأتي الوزير والأديب غازي القصيبي كالأيقونة بينهم، فهو من أضاء السعودية كلها، حتى لم تبق قرية ولا بيت في المملكة لم تدخله الكهرباء، وهو الذي طبب الأوجاع عند ترؤسه الصحة، إضافة إلى رؤيته البعيدة بتأسيسه المدينتين الاقتصاديتين في الجبيل وينبع. ويأتي الشيخ عبدالعزيز بن باز كرمز كبير من رموز السلفية المتسامحة، ولا أدل من ذلك القصة الشهيرة التي روها الوزير غازي القصيبي، عندما أوغر وعاظ الصحوة صدر الشيخ عليه، لكن ابن باز ليس الساذج الذي تنطلي عليه ألاعيبهم، فذهب بنفسه إلى بيت القصيبي، واستمع له، وخرج وهو يدعو له، ويعتذر عن سوء الظن به، لقد كان بن باز الأكثر تأثيراً بعلمه وتسامحه وزهده. وبما أن السعودية متنوعة، فإن لاعباً مثل ماجد عبدالله لن يمر مرور الكرام على وجدان الناس، بل سيبقى ظاهرة فريدة كلاعب لا يتكرر بما سطره في تاريخ الرياضة. وفي الفن، يأتي القيثارة طلال مداح صاحب الصوت العذب والسجل الذهبي كأهم من أنجبته السعودية في الطرب والموسيقى على مدى قرن من الزمان. أما الشعر الذي يكاد يكون يتيماً في مجتمعنا الناشئ، فلم ينس أن يمنحنا ابن مكة الشاعر العبقري محمد الثبيتي الذي يعده النقاد في العالم العربي أبرز شعرائنا وصاحب أجمل القصائد الحديثة. وصدق من قال إن المدن كالبشر، تحب وتخلد من أحبها، ولذلك ستخلد جدة حبيبها محمد سعيد فارسي، الفنان الذي رسم بقلبه وروحه مدينته الأثيرة، ليصبح المؤسس الثاني لها بعد أن أسستها قضاعة قبل 5000 عام. وفي الرياض، يأتي المهندس عبدالله النعيم كشخصية عبقرية، استطاعت إخراج الرياض من عمق الصحراء إلى واجهة العالم برؤية ممتدة، متجاوزاً تحديات الرمال وبعد التحضر. أما الصحافة، فيبرز على قمتها أحمد عبدالغفور عطار مؤسس عكاظ الذي ناضل لأجل صحيفته، وها هي اليوم إحدى أهم صحيفتين وثاني أغناهما، وكما العطار يأتي عثمان وعلي حافظ كرائدين بعيدي النظر، فهما أن الصحافة تحتاج إلى المدن المتوهجة، فنقلا صحيفة المدينة إلى جدة، بعدما استشعرا أنها الحاضرة المقبلة.  محمد الساعد [emailprotected] massaaed@     رابط الخبر بصحيفة الوئام: شخصيات أثّرت في تاريخ #السعودية