باريس: ميشال أبو نجم نجح الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في إعادة الدفء إلى العلاقات الفرنسية - التركية في «زيارة الدولة» التي قام بها في اليومين الأخيرين إلى تركيا، وقادته إلى مدينتي أنقرة وإسطنبول. وفي كل كلماته وخطبه، حرص هولاند على قلب صفحة الخلافات مع أنقرة، وتدوير الزوايا التي أفضت في الماضي إلى قيام مناخ من الشك بين الطرفين انعكس على تراجع الشراكات الاقتصادية والمبادلات التجارية. وبدا هولاند أمس متفائلا في الكلمة التي ألقاها أمس أمام رجال وسيدات الأعمال من الأتراك والفرنسيين في العاصمة الاقتصادية لتركيا، إذ دعاهم إلى الارتقاء بالمبادلات إلى مستوى العشرين مليار سنويا، الأمر الذي نال موافقة نظيره التركي عبد الله غل. وإذا كانت باريس ترى اليوم في تركيا شريكا سياسيا واقتصاديا، فإن شرط الوصول إلى ذلك كان التوصل إلى تفاهم بشأن رغبة أنقرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقد سعى هولاند، منذ العام الماضي، إلى تعبيد الطريق من خلال تراجعه، خريف العام الماضي، عن الفيتو الذي استخدمته باريس لمنع بدء المفاوضات التركية - الأوروبية بخصوص أربع فصول رئيسة «من أصل 35 فصلا» يتعين الانتهاء منها قبل البحث في الانضمام. فضلا عن ذلك، لم يعارض هولاند، مبدئيا، تحقيق الأمنية التركية وفق ما فعله سلفه نيكولا ساركوزي الذي كان يردد أن مكان تركيا ليس داخل الاتحاد الأوروبي. ومهارة هولاند أنه عاد إلى موقف كان التزمه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وهو طرح الموضوع على الفرنسيين في استفتاء عام، مما يعني أنه يتنصل عمليا من المسؤولية التي سيتحملها الشعب الفرنسي إن جاء الجواب موافقة أو رفضا. وقالت الخارجية الفرنسية أمس، إن طرح انضمام عضو ما على الاستفتاء الشعبي في فرنسا لم يحصل سوى مرة واحدة في عام 1972 أثناء رئاسة جورج بومبيدو، وتناول انضمام ثلاثة بلدان هي بريطانيا وآيرلندا والدنمارك، لكن المعني الأول كان بريطانيا. ويبدو أن هذا الموقف «أراح» الرئيس التركي عبد الله غل، الذي طلب مساعدة فرنسا لبلاده، كما أنه شكرها على تسهيلها مهمة التفاوض. بيد أن موضوع الانضمام، وإن كان حيويا بالنسبة لأنقرة، فإنه يبقى ثانوي بالنسبة لباريس التي ترى فقط في تسويته شرطا لا بد منه للعودة إلى علاقات أكثر حرارة مع بلد ناشئ، يجمع بين صفتين مهمتين؛ هما: كونه شريكا سياسيا فاعلا في قضايا تهم فرنسا مثل أزمات الشرق الأوسط، وتداعيات الربيع العربي، فضلا عن قضايا المتوسط والمسألة القبرصية، كما أنه يتمتع باقتصاد ناشئ وسوق زاخرة بالفرص بالنسبة للشركات الفرنسية. وتريد باريس أن تشجع الاستثمارات المتبادلة وعقود الشراكة الصناعية، وخصوصا الاستفادة من المشاريع التركية في البنى التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والطاقة المتجددة والاستخدامات المدنية للطاقة النووية وخلافها. وشهد يوم أمس التوقيع على مروحة واسعة من الاتفاقات والعقود التي أريد لها أن تكون ترجمة للحالة «الجديدة» القائمة بين البلدين. وككل مرة في زياراته الخارجية، دعا هولاند المستثمرين الأتراك للاستثمار في فرنسا، واعدا إياهم بتسهيل مهمتهم. وخلال الزيارة، طفا على السطح ملف «الجهاديين» الفرنسيين الذين يتوجهون إلى سوريا للمشاركة في الحرب فيها عبر تركيا. وتقدر باريس عدد الفرنسيين المواطنين أو المقيمين بنحو 700 شخص. والتخوف الكبير يكمن في أن يعود هؤلاء إلى الأراضي الفرنسية حاملين آيديولوجيا جهادية، مما يشكل تهديدا أمنيا كبيرا وهما إضافيا للأجهزة الفرنسية المختصة. وخلال الزيارة، شكر هولاند السلطات التركية على الجهود التي بذلتها للعثور على تلميذين فرنسيين، عمر أحدهما لا يزيد على 15 عاما، تركا مدينة تولوز حيث يقيمان وسافرا إلى إسطنبول ومنها إلى الجنوب التركي، ساعين للدخول إلى الأراضي السورية. وطلب الرئيس الفرنسي من السلطات التركية مساعدة بلاده وكذلك البلدان الأوروبية الأخرى لمنع وصول هؤلاء الجهاديين إلى سوريا. ويبدو أن تطمينات هولاند فعلت فعلها لدى الرئيس التركي الذي رد التحية لهولاند بأفضل منها، إذ عد «العقبات» التي كانت تعيق التقارب بين الطرفين قد «زالت». لكن وزير الصناعة الفرنسي، أرنو مونتبورغ، كان أكثر صراحة إذ اعترف بأن باريس وأنقرة «ليستا بالضرورة متفقتان على كل شيء»، لكنه رأى أن «المناخ السياسي قد تغير»، مما يسهل كثيرا التعاون بينهما.