×
محافظة المنطقة الشرقية

اكتمال عقد دور الثمانية لبطولة «شباب الوطن» ببقيق

صورة الخبر

- كيف حالُكِ؟ ألن تنزلي معنا إلى مايوركا؟ - لا، لن أذهب معكم اليوم. لاحظ ضيقها ولاحظت حيرته. واصلت: رأيتُها من قبل. اذهب أنت واستمتع بيومك. قالتها بينما عيناها تطلب منه البقاء معها أو هكذا خُيِّلَ إليه. تردَّد بين البقاء والرحيل. قال في نفسه: في الوقت متسع، فالسفينة لن تتحرك بنا إلا ليلاً. لم تكن معرفته بها وطيدة. فقط بعض الأحاديث الضاحكة القصيرة حين ترافقهم في رحلاتهم من السفينة إلى الموانئ التي يرسون فيها. كانت ودودة من دون أن يكون ذلك ضمن متطلبات للعمل. هذا ود حقيقي وليس مصطنعاً، قال لنفسه. لكنه مع ذلك تضايق لرؤيتها مُحبَطة: هل أنتِ متعبة؟ - قليلاً. أنا أعمل منذ الرابعة صباحاً وأنتظر منتصف الليل لأذهب وأغلق باب غرفتي عليَّ، فالعمل مُتعِب ولم أكن أعلم أنه بتلك الصورة حين التحقتُ به. - غريبة؛ مع أني أراكِ بشوشة في معظم الأوقات. اعذريني. لسنا على قدر كافٍ من المعرفة كي أحكم عليكِ، لكن لا أظن أنه الإرهاق. قالت: ربما أنت مُحق. أظنُه الاشتياق لأهلي وأصدقائي. - أنتِ برازيلية يا لارا، أليس كذلك؟ - نعم، من ريو دي جانيرو، وأنتَ عربي؟ - نعم، والعرب يحبون البرازيل بسبب فريق كرة القدم لديكم، والبنات الجميلات في المدرجات. ضحكت: - نعم، هذا كل ما يهم الرجال؛ كرة القدم والبنات الجميلات. - هل تلوميننا؟ - لا، فأنا شخصياً مجنونة بكرة القدم وأفتقد الشواطئ والكرة ضمن ما أفتقد. لكن، يبدو أنكَ لا تدرك مدى ارتباطك بالأشياء إلا حين تبتعد عنها. - وكيف حصلتِ على هذه الوظيفة؟ - أنهيتُ الدراسة في الجامعة وعملتُ لبعض الوقت في وظائف صغيرة ولي أصدقاء عملوا في الشركة نفسها التي تملك تلك السفينة، وقلتُ لِمَ لا أربح بعض المال وأرى العالم. - وهل رأيتِه؟ - لا، ليس بعد، فهذا هو شهري الرابع وما زلنا نجوب البحر المتوسط. يقولون إن رحلتنا القادمة ستكون للكاريبي. - بالقرب من بلدك. - ليس كثيراً. لكن سأحاول أن أحصل على إجازة قصيرة لزيارة أهلي إن أمكن. توقَفَت قليلاً، ثم استأنفت: - اسمع، الحديث معك لطيف، لكن سيكون من الظلم أن تضيع يومَك في سماع شكواي. هيا اذهب إلى الباص أيها السيد العربي. قالتها بين الضحك والجِد. كانت متعبة، ورغم استمتاعه بالحديث معها لتلقائيتها وأيضاً لجمالها، فقد كان يريد رؤية المدينة التي يسمع أن أسلافه قد حكموها قروناً، والآن أغنياؤهم يملكون قصوراً على شواطئها، فبادلها الضحك. - حسناً سيدتي المشرفة. لكن فقط إن وعدتني بأنك ستكونين ضيفتي على العشاء الليلة. كأنما استعادت معلوماتها عن العرب، فضحكت قبل أن تقول: - إذاً، فأنا جائزتُك على الغزو. - إن شئتِ. – حسناً، إلى المساء إذاً. تركها، وذهب إلى المدينة وبمقدار ما أعجبه جمالها الأوروبي وطرازها المعماري الحديث، إلا أن ما أخذه إلى عالم آخر كان الحي العربي القديم وأبنيته التي ألِف مثلَها في بلده. الأزقة والبيوت، كأنما سيخرج منها أحد أقاربه لينادي عليه. عادَ قُربَ المساء مُحملاً بروح مختلفة. وزاد هذا الإحساس عندما رأى ضيفتَه وقد فاجأته بمظهر مختلف، فهو تركها صباحاً بقميص مُشمَّر الكُمين وبنطال وحذاء رياضي، فإذا هي قد تأنَّقت بفستان أزرق طويل. بادرته بقولها: - أرى السيد وقد عاد منتصراً من غزوته. قالت ذلك وهي تشير إلى ربطة العنق الحمراء تحت الجاكت الأسود. ثم سألت: - هل أعجبتك المدينة؟ - مايوركا رائعة وأنتِ أروع. تورَّد وجهُها خجلاً. - ماذا دعاكَ لأن تأخذ من وقت نزهتكَ صباحاً لتسألني عن حالي؟ - ربما لإعجابي بتعاملك التلقائي. هل تحبين أن نطلب الطعام الآن؟ - كما تُحب. تحدثا طويلاً. كلَّمها عن أيام دراسته الهندسة في ليون، وعن إحساسه وقتها كأنه محاط بجدار من زجاج لا يسمح له بالنفاذ إلى أي دفء إنساني، إلى أن استأجرَ غرفة في منزلٍ لأسرةٍ أصولُها من كورسيكا، فأحسَّ بالدفء، ربما لأن الأسرة نفسها كانت تعرف معنى الاغتراب. قالت إن أباها كان مهندساً، وإن أصول أسرتها مختلطة، فوالدها من أصول ألمانية، وأمها من أصول لاتينية، وبالتالي، هي تجمع في دمائها بين الحر والبرد، على حد تعبيرها. قالت إن معظم أصدقائها لاتينيون، ولهذا فإنها تشتاق دائماً إلى البحر والرقص، لكن جذورها الأوروبية تجعلها قادرة على مقاومة هذا الاشتياق معظم الوقت. قال لها إنه يجني ثمن اغترابه، فهو يستثمر في شركة إنشاءات، عملها موزع بين بلده وفرنسا. قالت: - تخيَّل أن نأتي من طرفي العالم لنلتقي هنا. قال: - رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد. – عفواً، ماذا تقول؟ لا أفهم. انتبه إلى أنه كان يتحدث لنفسه بالعربية. – عفواً، لا تؤاخذيني فقد ألِفتُ وجودك حتى أني صرتُ أتحدث بلغتي الأصلية معك. - هذا يسعدني، فقط فلتضع ترجمة إنكليزية أسفل الكلام حتى أفهمه. أعجبه حس دعابتها، وقال: أنت تذكرينني بأختي الصغرى فهي مشاكسة مثلك. أجابت وهي تضحك وتمثل الاستياء: - أختك الصغرى! وأنا من تصورت أني أذكرك بحبيبة عمرك. وبدوره ادعى الاستياء: - وأنتِ، ألم تقولي منذ برهة أني أُذكرُكِ بأبيكِ؟ ضحكا، وقد أدركا أن ليلتهما تسير إلى نهايتها، وأن كليهما قد خرج بصديقٍ في ليلة غربة.