في أواخرالشهر الماضي تابعت باهتمام بالغ برنامجا على قناة تي في سانك الفرنسية - الفترة السويسرية- حول النشاطات الإسلامية في سويسرا على مستوى المساجد والجمعيات والنشاطات الإسلامية و.. مصادر تمويلها. المشاركون كانوا مسؤولين في التعليم ومختصين ومسؤولي جمعيات وأفرادا عاديين. كان الموضوع الذي على أساسه جاءت الحلقة يتعلق بأحد الأئمة الذي أوقف ابناه من قوى الأمن السويسري بناءً على اشتباه بنشاطات إرهابية قد يكون لوالدهما الإمام دور في هذا الإتجاه وهو ما يطرح موضوعين للنقاش حول دور الأئمة وعلاقة ذلك بمصادر التمويل وكيفية التحكم والمراقبة وفق القوانين العلمانية السائدة في سويسرا. تشعب الموضوع كثيرا حول حرية العبادة ومشروعية التمويل وصولاً إلى الاعتراف بحرية العقيدة ضمن القانون. وبما أنه يتعذر على السلطات الأمنية صياغة «محتوى» الفكر السائد في هذا المسجد أو الجمعية الإسلامية أو تلك بسبب الخلط الموجود في كل الديانات ومن بينها الإسلام، فإن السلطات الأمنية مضطرة للتعامل مع المسلمين مثلاً وفقا لسلوكهم بما يتوافق مع القوانين السائدة في سويسرا وصولاً إلى منع بعض الممارسات المتعارضة مع ضرورات أمن البلد وكافة مواطنيه. ونظراً لنسبية هذه المواضيع وحساسيتها في موضوع الحريات الشخصية كالحجاب والنقاب والسلام على المخالف ومشاركته فرحه، اتجه النقاش إلى أن المتحكم الأساسي في نشاط المؤسسات الدينية هو الجهات الممولة. وتحت سطوة الواقع، القائل بأن الإرهاب المتفق على محاربته دولياً هو داعش وأخواتها من المنظمات التي تزعم انتماءها للإسلام، وكل الهجمات الإرهابية والأسماء اللامعة في قيادات تلك العمليات، كانت، بهذا القدر أو ذاك مرتبطة بمسجد أو جمعية أو منظمة إرهابية ذات علاقة بمذهب محدد من المذاهب الإسلامية وفروعها، وصل المتحاورون إلى نتيجة فيها الكثير من العسف والواقع. هذه النتيجة تقول إن السعودية تدعم الإسلام لكن من يتحكم بالدفع ليس الحكومة السعودية بل تلك المؤسسات المتشددة التي تدير هذا الدعم. هذه الحجة، لم تخف ضعف الدفاع عنها. الدولة السعودية مسؤولة عن كل الجمعيات المرخصة لدعم الإسلام ومؤسساته في العالم. ذلك ما تنبهت له الإدارة السياسية السعودية في السنوات الأخيرة لكن المنجز فيه لا يواجه واقع ما يفعله المتشددون مع من «يثقون به» هناك من أئمة جوامع أوروبا ورؤساء الجمعيات الإسلامية هناك. الذي يشاهد البرنامج، وما قيل فيه على لسان مسلمين هناك، لا يستطيع فهم الدفاعات المتكررة من المتشددين المنتفعين من التمويل والذين لا يفعلون سوى تكرار والاكتفاء بالدفاعات النمطية والصحيحة عن أن «السعودية لا تدعم الإرهاب». الحقيقة لا تخدم بقدر ما يخدم الاستخدام الخلاق لايصالها. السعودية تملك الحق في الدفاع عن الإسلام وفق النهج المعتدل، لكن واقع من يديرون هذه العملية الخطرة، قد يضر السعودية ويتيح ليس فقط للمختصين، بل وللمرجفين فرصاً واضحة أمام شعوب واعية تأخذ بالوقائع على الأرض، أرضهم وليس«أرضنا» التي لاتزال تقيم اعتبارا لحقائق مطلقة مزعومة لا يصدقها سوانا. السعودية تدعم الإرهاب«مسلُّمة» رائجة في الغرب شعوباً وحكومات ونخبا. الطريق لتصويب هذا التصور لا يبدأ من هناك من أوروبا، بل يبدأ من هنا. يبدأ بمواجهة واضحة وصريحة ومحددة المعالم. مواجهة التشدد الواضح والمموه لايصال من بيدهم القدرة على فهم استحقاقات الوعي الموجود هناك والتعامل مع المفوضين هناك من أئمة ورؤساء جمعيات وفقا لمعايير صارمة وواضحة تقصي المنتفعين من تمويل الإسلام عبر التشدد إلى مسلمين مسالمين يعملون وفق معايير البلد الذي يعيشون فيه بغض النظر عن نظامه الاجتماعي والسياسي و بغض النظر عن كفره أو تدينه. بغير هذا الأفق لخدمة الإسلام سيذهب تمويل الإسلام إلى غير مقاصده إذا اقتصر التغيير على أشخاص يتبادلون المراكز ليقدموا نفس المنتج أمام أناس واعين لأمنهم. لابد من تغيير طرق التفكير ليس فقط مع الآخر البعيد بل ومع الذات لأن العالم أصبح صغيرا بالرغم من سطوة الممول الذي لم يعد سيدا بمواصفات الماضي التليد بل بمواصفات الثورة الرقمية. كيف يمكن أن تتحقق إعادة الهيكلة لموضوعة خدمة الإسلام والمسلمين التي تشكل ركناً من أركان سياسة السعودية؟ ليس بقرار، بل بسياسة الفضاء المفتوح لكل من لديه رأي في مصلحة السعودية مجتمعاً ودولة في إطار دولة السلم المجتمعي بمن حضر من كفاءات ومؤسسات هذا المجتمع.