×
محافظة المنطقة الشرقية

بدء مشروع ترقيم ورفع إحداثيات شبكة الإنارة بالشرقية

صورة الخبر

إن من شباب الرعيل الأول فتية وهبوا للعلم نفوسهم وزهرة عمرهم، فاستطاعوا أن يكونوا أعلاماً وهم لايزالون في ريعان شبابهم، وعلى رأس هؤلاء شيخ النحو سيبويه، الذي استطاع في مقتبل عمره، وعلى الرغم من قصر عمره أن يؤسس لعلم النحو، وأن يجعل من كتابه مدرسة يسير عليها أهل النحو إلى يومنا هذا. ولنستمع لطرف من تاريخ هذا النحوي الكبير من الدكتور محمد حسن قسام، كبير وعاظ في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي. يقول الدكتور عن نسبه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بسيبويه مولى بني الحارث بن كعب، وسيبويه لقبه، ومعناه رائحة التفاح. ولد سيبويه في مدينة البيضاء بفارس، ثم هاجر أهله إلى البصرة، فنشأ بها، ودرس على علمائها اللغة والنحو والحديث والفقه، ولم يذكر المترجمون له تاريخ ولادته، أما وفاته فيذكر ابن خلكان أنه توفي في سنة ثمانين ومائة، وقيل: سنة سبع وسبعين، وعمره نيف وأربعون سنة، وقيل: توفي سنة أربع وتسعين ومائة، وعمره اثنتان وثلاثون سنة. أثره في علوم العربية من خلال ما أسلفنا ندرك أن إمام العربية ونحوها مات شاباً، فلقد مات في ريعان الشباب، سواء أخذنا برواية أنه عاش إحدى وأربعين سنةً، أم عاش اثنتين وثلاثين سنة، وهذا يعني أن سيبويه معجزة عصره في اللغة والنحو والحجة والإمام كان حينما برع في علم النحو، وألف ذلك المرجع الرئيس- وهو كتابه الذي لم يؤلف غيره وسماه بالكتاب- كان لا يزال في ريعان شبابه. أخذ سيبويه عن أعلام اللغة، فأخذ النحو عن واضعه الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وكذلك أخذ النحو عن عيسى بن عمر، واللغة عن أبي الخطاب الأخفش الأكبر، فلقد أخذ عن أئمة اللغة والنحو الأوائل، بل عن المؤسسين. وكان الخليل يرحب بسيبويه قائلاً: مرحباً بزائر لا يمل، وما قالها الخليل لأحد سواه. قال معاوية العليمي وقد ذكر عنده سيبويه: رأيته وكان حديث السن، وكنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل بن أحمد. قال المبرد: كان سيبويه وحماد بن سلمة أعلم بالنحو من النضر بن شميل والأخفش، وقال ابن عائشة: كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شاباً جميلاً نظيفاً، قد تعلق من كل علم بسبب مع حداثة سنه. أثر كتابه في اللغة قيل لشيخه يونس بن حبيب: إن سيبويه ألف كتاباً في ألف ورقة من علم الخليل، فقال يونس: ومتى سمع سيبويه هذا كله من الخليل؟ جيئوني بكتابه، فلما نظر فيه رأى كل ما حكى، أي ما حكاه يونس فقال: يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل في جميع ما حكاه كما صدق فيما حكاه عني، ويقول صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في الكتاب: لا أعرف كتاباً أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها، فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطيُّ لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسططاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له. وكان المبرد رحمه الله إذا أراد أحد أن يقرأ عليه الكتاب لسيبويه فيقول له: أركبتَ البحر؟ ولقد أحدث الكتاب لسيبويه نقلة نوعية في علم النحو والتصريف والصوتيات، فكان مرجعاً وحجة لكل علماء اللغة وفقهها وعلماء النحو من بعده، وكل ما ألف في علم اللغة والنحو والتصريف كان عالة على هذا الكتاب العظيم الذي يعتبر دستوراً مهماً لعلوم العربية، وأصلاً من أصولها، فقد استطاع سيبويه الشاب أن يكون وهو في ريعان شبابه إماماً ومرجعاً ومنظراً لعلوم العربية بما قدمه، فجدير بشبابنا أن يقتفوا أثره في الإبداع وإحداث نقلة نوعية في مسيرة العلم.