لا يمكن إحصاء حروب فاطمة اليوسف ومعاركها. لكن «أجمل» معاركها كانت مع ابنها ووحيدها إحسان عبد القدوس. فما إن تخرج في الجامعة حتى توجه مباشرة إلى مبنى المجلة، وجلس خلف مكتب رئيس التحرير، باعتباره المالك والوريث. وقال لأمه: الآن حان وقت الوفاء بوعدك لي وأنا صغير بأنك سوف ترتاحين عندما أكبر. وقالت الأم: أنت لم تكبر بعد. هذه مهنة يبدأها أصحابها من تحت، لا من فوق. لا تكون بالوراثة ولا بالتعيين، بل بالخبرة والتجربة والاستحقاق. ولذا، عليك أن تبدأ من حيث بدأ الجميع. وإلا خربت علينا الدار. فكيف سوف ينظر إليّ كبار كتّاب مصر إذا رأوا أنني تخلّيت عن جميع الأصول من أجل عاطفة الأمومة، وكيف سوف أخوض معارك السياسة وأدعي الموضوعية والتعقل؟ وهدد إحسان بالعمل في صحيفة أخرى، فقالت: هذا ليس تهديدًا. هذه أمنية. اذهب وتعلم في مكان آخر، فالدار في انتظارك ولن تذهب إلى أحد سواك. هكذا فعل كامل مروة عندما تخرّج ابنه البكر جميل. قال له: تبدأ من تصحيح «البروفات» في المطبعة. وعندما عاد عصام فريحة متخرجًا في الإعلام من الجامعة الأميركية في القاهرة، أرسله سعيد فريحة أولاً إلى «التركيب» والقسم الخارجي و«الإخراج». ولا يزال يشارك في ذلك إلى اليوم بعد 55 عامًا. ذهب إحسان إلى العمل في «آخر ساعة»، منافسة «روز اليوسف». ثم اعتقل في قضية سياسية وسُجن لستة أشهر. وبعد خروجه، وافقت الأم على أن يعود إلى الدار، لكن كمحرر، ولم تعطه كرسيها إلا بعد أن أصبح إحسان عبد القدوس، وليس ابن فاطمة اليوسف. سيدة المسرح والصحافة، كتب عنها الشاعر كامل الشناوي أنها «السيدة» الرجل. شجاعة، عنيفة، لا تقول إلا ما تعتقد، سواء غضب الحاكم أو سخطت الجماهير. وردت فاطمة بمقال من صفحتين: «صديقي كامل الشناوي يقول إنني رجل. لا يا كامل. لستُ رجلاً، ولن أكونه. إني سيدة وفخورة بذلك. وعيب صحافتنا هو كثرة رجالها وقلة سيداتها. ويوم أرضى عنك وعن جهادك سأقول إنك سيدة!». إلى اللقاء..