بعد أن تناولت طعامي في المول المقابل لفندقنا، كان لا بد لي من تذوق القهوة الإثيوبية الشهيرة، التي تعرف محلياً باسم (البُنة).. وتعتبر القهوة أحد أهم مظاهر التراث في إثيوبيا، تخصص لها طقوس ومراسم تبدأ بقيام الفتاة التي تتولى إعدادها برش المكان بالماء ونثر العشب الأخضر أو (قيتما) كما يسمونه بالأمهرية، كنوع من الفأل الحسن بحسب معتقدات الشعب الإثيوبي. جلسات القهوة في أديس أبابا تمثل مزيجاً من الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية، ينبع ذلك من كونها جزءاً لا يتجزأ من حضارة وثقافة الإثيوبيين، وغالباً ما تكون صانعة القهوة مرتدية الزي التقليدي.. وتوجد المقاهي الشعبية بالعاصمة في كل مكان تقريباً في المطاعم والمنتجعات وعلى جوانب الطرق، كما تتوافر القهوة في الفنادق الكبرى والمولات. قمت بجولة سيراً على الأقدام، تعرفت من خلالها على معالم حي بولي المتمثلة في عدد من السفارات، من بينها سفارتا جيبوتي ورومانيا. أيضاً هناك شارع الكاميرون الذي تقع فيه بعض المراكز التجارية الكبرى، والفنادق، ولاحظت من خلال تجوالي التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين حيث توجد الكنائس إلى جوار المساجد، بدون أي مشاكل ولا نزاعات؛ لأن كل طرف يحترم الآخر ومعتقداته. بعد صلاة المغرب عدت إلى الفندق ووجدت أن صديقي ترك لي رسالة مفادها أن أكون مستعداً للخروج في العاشرة مساء لأنني مدعو إلى برنامج ترفيهي دون أن يحدد ما هو. تملكني الفضول وأنا أحاول استنتاج برنامج السهرة، ولم يطل انتظاري فقد كان الصديق واثنان من رفاقه معي قبل الموعد المفترض، عندها أخبروني بأننا ذاهبون إلى حفل للفنانة الإثيوبية (تيقست)، وصلنا المكان ووجدنا معظم رواد الحفل من الشباب السوداني.. يكمن السر في ذلك أنها (تيقست) تبدع في إجادة أشهر الأغاني السودانية مثل "أنا بهواك، كلمني يا حلو العيون، مسامحك يا حبيبي وربيع الدنيا". استمتعنا بليلة جميلة من الطرب الأصيل في الكازينو المملوك للفنانة الذي يقع بحي (كيركوس قبيلي) قرب مقر السفارة السعودية.. وبشكل عام فإن الموسيقى السودانية تجد رواجاً واستحساناً كبيراً في دول شرق إفريقيا، خاصة إثيوبيا وإريتريا. اليوم الثاني من الزيارة كان حافلاً، فقد اصطحبني أحد موظفي وزارة الثقافة والسياحة بجمهورية إثيوبيا في جولة تعريفية على أبرز معالم العاصمة أديس أبابا، منها المتحف الوطني، وقصر الإمبراطور هيلا سلاسي، والكاتدرائية، وبعد الظهر خرجت مع أصدقائي لزيارة مدينة دبرزيت السياحية التي تبعد حوالي 40 كلم جنوب العاصمة.. تلك المدينة الساحرة التي تضم 7 منتجعات وبها 7 بحيرات طبيعية.. نعم لم أخطئ في الكتابة.. بها 7 منتجعات و7 بحيرات طبيعية! ولكم أن تتخيلوا المناظر والطبيعة.. يستقبلك الإثيوبيون على مشارف كل بحيرة بقواربهم الخشبية الرائعة، وتستطيع التجول فيها بقارب يتسع لعدد 6 أشخاص. دبرزيت الساحرة مدينة لا أستطيع أن أوصفها.. إنها تجمع بين الحداثة والمناظر الطبيعية الخلابة.. بحيراتها السبع يتواجد فيها البط الري والوز وعدد كبير من الطيور والحيوانات البرية.. تعتبر وجهة مفضلة للسياح الأجانب والمواطنين؛ حيث صادفت فيها إخوة تعرفت عليهم من السعودية والإمارات، ولاحظت وجود عدد كبير من الأوروبيين جاءوا للاستمتاع بالهدوء وجمال الطبيعة الخلابة. في صباح اليوم الثالث كان انطلاق فعاليات المنتدى الاقتصادي الذي نظمته وزارة الاستثمار للتعريف بالفرص الواعدة والنهضة الشاملة التي تشهدها جمهورية إثيوبيا على الرغم من حالة الركود والتباطؤ التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.. حضرت الجلسة الأولى التي تناولت آفاق الاستثمار الزراعي، وتشرفت بمقابلة عدد من رجال الأعمال السودانيين الذين ينوون الاستثمار في إثيوبيا، وهي التي أصبحت اليوم وجهة مفضلة لرؤوس الأموال السودانية لدرجة أن سفيرها بالخرطوم، أبادي زمو، صرح بأن السودان يحتل المركز الرابع من حيث الاستثمارات في بلاده. كان اليوم الرابع من نصيب جبل أنطوطو الشهير الواقع على بعد 35 كيلومتراً شرق العاصمة، والذي يضم منطقة سياحية فريدة من نوعها.. بجانب أنه يتيح لك التمتع بإطلالات بانورامية رهيبة على العاصمة وما جاورها من مناطق.. استمتعنا بالصعود إليه في وقت كانت زخات المطر تتساقط علينا.. والسهول الخضراء على مد البصر.. زرنا المتحف المسيحي وكنيسة قديمة بُنيت على قمة الجبل التي تضم عدة منتزهات ومنتجعات سياحية.. في تلك الأثناء زاد وميض البرق وأخذ الرعد يهز أرجاء الجبل، مما أدخل الرعب في قلوبنا!. عندها لجأنا إلى حديقة غنّاء في أحد الأركان ورأينا أن نتناول طعام الغداء فوقع اختيارنا على وجبة (الأنجيرا) الشعبية مضافاً إليها طبق كبير من اللحوم البلدية رائعة المذاق.. بعدها شهدنا حفل زواج لإحدى العوائل من إقليم (التيجراي)، كان بسيطاً لكنه آية في التنظيم والأناقة. اشتدّ هطول الأمطار ونحن على الجبل؛ لذلك اتخذنا قراراً بالعودة إلى المدينة.. ولفت انتباهي في رحلة النزول كثرة الأشجار والزهور المتنوعة التي خُيل لي لأول مرة أنها صناعية لشدة جمالها.. لكن الشباب أكدوا لي أنها طبيعية. وقد أخذت رحلة الهبوط من الجبل وقتاً أطول مما هو معتاد لشدة هطول الأمطار وجريان الأودية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.