إذا سلمنا جدلا بمقولة إن الزمن الماضي هو»زمن الطيبين» كما يردد تلك المقولة كبار السن فهل هذا يعني هذا أن الزمن الحاضر «زمن الأشرار»، أو زمن النص ونص، أو زمن منزوعة منه الطيبة كما ينزع الدسم من منتجات الألبان؟ الزمن المسمى بزمن الطيبين بالتأكيد يختلف عن الزمن الحالي ليس فقط لأن الناس اليوم بدون قيم نبيلة أو يملأ قلوبهم الشر ولكن لأن الزمن تغير ووسائل الحياة تطورت، وزادت أعداد المتعلمين والمثقفين وانحسرت حياة الريف والبداوة وتمددت المدنية في كل بقعة حتى القرى الصغيرة تحولت إلى مدن عامرة تضج بالحياة والصخب، وانشغل أهلها عن بعض بتدبير شئون حياتهم، وصار عالم اليوم محاصرا بانفجارات رهيبة لو تعرض لها زمن»الطيبين» المزعوم لتزلزل ولم يقدر على المقاومة بسبب نقص القدرات في ذلك الزمن غير البعيد. انفجارات المعرفة والسكان والتقنية جعلت ناس هذا الزمن في هم غير منقطع بحثا عن لقمة العيش وأي فرصة متاحة لكسبها عن طريق العمل وسط منافسة شرسة على الوظائف وفرص العمل التي أصبحت محدودة قياسا بعدد السكان الهائل فمن الطبيعي أن يبحث كل إنسان عن مصلحته وليس في هذا عيب. العيب فقط في سلوك الطرق الملتوية من بعض ضعف النفوس والمتسلقين وهم نوعية تشتكي منها كل الأزمنة لكن الفارق أنهم يتكاثرون في هذا الزمن نسبة لعدد السكان. الثورة التقنية ووفرة المعلومات يسرت للناس وسهلت التواصل عبر الرسائل النصية، والأحاديث الصوتية، وكاميرات تساعد البعيد على أن يشاهد أقاربه في أي مكان. الحصول على المعلومة في غمضة عين والخبر ينتشر في جزء من الثانية كل هذه الفتوح والإنجازات البشرية حرم منها جيل أحبابنا الطيبين، ولو تيسرت لأسلافنا لاحتفوا فيها أيما احتفاء، وكبر رجالهم وصفقت نساؤهم، ولأن وسائلهم بدائية صاروا طيبين، وهذا الجيل اعتبروه ضمنيا جيل الأشرار لأنه يعيش رفاهية وفرتها له مخرجات الحضارة المعاصرة، وليكون طيبا عليه وفق منظور السطحيين أن يعود للماضي يعيش في الخيمة وبيت الطين، ويركب الدواب ويستخدم تلفون «أبو هندل»، ويراسل غيره عبر الرسائل الورقية العتيقة. هي دعوة غير مباشرة للعودة للماضي ومحاربة أي جديد ينقلها البعض بسذاجة مفرطة!