يقول الدكتور مصطفى محمود -رحمه الله- في إحدى الالتقاطات الجميلة المنسوبة إليه: قد لا تصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياةً أكثر بذخاً من حياة كسرى، وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس، وقيصر الرومان، وفرعون مصر.. ولكنها الحقيقة! إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل، كانت عربة يجرها حصان.. وأنت عندك سيارة خاصة، وتستطيع أن تركب قطاراً، وتحجز مقعداً في طائرة. وإمبراطور فارس كان يُضِيء قصره بالشموع وقناديل الزيت.. وأنت تضيء بيتك بالكهرباء. وقيصر الرومان كان يشرب من السقا، ويُحمَل إليه الماء في القرب.. وأنت تشربُ مياهاً باردة نظيفة معقمة، ويجري إليك الماء في أنابيب. والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز يقوم بتسليته.. وأنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز! ولويس الرابع عشر كان عنده طبّاخ يقدم له أفخر أصناف المطبخ الفرنسي.. وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي، وآخر صيني، وثالث إيطالي، ومصنع مخللات ومعلبات وحلويات. ومراوح ريش النعام التي كان يروّح بها الخدم على وجه الخليفة، كانت الاختراع الوحيد الذي يقيه حر الصيف.. وأنت لديك مكانها مكيفات هواء، تحوّل بيتك إلى جنةٍ بلمسةٍ سحرية بزرٍ كهربائيٍّ. وعندما قال مصطفى محمود هذا الكلام، كان -رحمه الله- ينزل إلى الشارع ويذهب إلى الكشك ليشتري صحيفته اليومية، وأنت تأتيك صحيفتك -وكل صحف الدنيا- قبل أن تُطبع.. عبر الإنترنت. كان يتحدث عن التلفزيون المحليّ بقناتيه الأولى والثانية، وأنت بين يديك الريموت كنترول، تتنقل به بين ثلاثة آلاف قناة. قال هذا الكلام، قبل أن تبتكر البشرية هذا الجهاز الذكيّ الذي تحمله في جيبك، وتنجز من خلاله ألف شيء خلال ثوانٍ. أيّ نعيم هذا؟ كل هؤلاء الأباطرة والملوك والقياصرة، لم يحصلوا على عُشر الرفاهية التي بين يديك. أنت إمبراطور، وقيصر، وشاهنشاه من الخارج.. من الداخل أنت: إنسان الكهف!