في رحلة الحياة نفقد جزءا من أنفسنا وتتحور النفس لشيء قد نجهله تماما عن ذواتنا، وفي طريق الرحلة تواجهنا الكثير من التحديات منذ ساعة الولادة ولكنا محفوظون بالفطرة ونقاء الروح التي تصاحبها العديد من بسمات الطفولة، ومع مرور الزمن تقل تلك البسمات لفقدنا الكثير من فطرتنا ونقائنا الروحي، فتئن وتشتكي الروح لما أصابها من ضعف، ولا تستسلم بل ترسل لنا العديد من الرسائل واحدة تلو الأخرى، ومن الذي يستطيع قراءتها؟! إن فحوى تلك الرسائل أنك تحتاج إلى نقلة رجوع، أن تنتقل بروحك ومشاعرك وفكرك وسلوكك إلى طور السمو، إلى النفس المطمئنة. إن كل حيرة تصيبك وكل نقص تشعر به وكل عجز يحيطك وكل غصة وكل وجع وكل خيبة أمل، ما هي إلا رسائل تخبرك أنك بحاجة إلى نقلة رجوع، فهل من رجعة أيتها النفس؟! ومتى تحتاج النفس إلى الرجوع؟! عند زيادة الخلاف والمشاحنات بين الناس، عند كل مصيبة فقدان سواء لمالك أو حبيبك أو لثمار عملك أو لطعامك أو وطنك، عند كل خوف وعند كل خطأ أو معصية أو فشل أو إثم أو سيئة تحتاج النفس إلى نقلة رجوع، عند كل مخالطة للبشر وعند كل عمل صالح تحتاج النفس إلى هذه النقلة. ومن الذي يستطيع أن يخوض نقلة الرجوع؟! (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون) 46 البقرة . هؤلاء من يملكون قلوبا ذاكرة لربهم جل جلاله غير غافلة، يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة. إلى أين قد تأخذك نقلة الرجوع؟ إلى الأساس، إلى مصدر كل شيء، تأخذك إلى خالقك تأخذك نحو السعة والنور، تحرث عنك طينيتك فتهتز الروح لذلك النور المتسلل إليها فتحيا به، تأخذك نقلة الرجوع من ضعف نفسك إلى حول وقوة الله جل جلاله فتقوى به، تأخذك إلى الرحابة فلم تعد تنظر بعين جسدك ولكن بعين روحك فبصرك اليوم حديد. نقلة الرجوع أن تخلع ثوبك القديم المتسخ والضيق نحو النور والطهر والاتساع، فما أجمل الرجوع بعد الغياب (إنا لله وإنا إليه راجعون).