يرى مدير اللجنة الدولية للصليب الاحمر بيتر مورير أن الصفقة الكبرى التي أسفرت عنها قمة إسطنبول مثال جيد لضغط الأقران وإحداث تأثير لتطوير فعالية وجودة العمل الإنساني العالمي، واعتبرها خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، مشيرا إلى أن الصفقة الكبرى حزمة من 51 إجراء تهدف لجعل نظام المساعدات الإنسانية اكثر كفاءة بتقديم مساعدات مرنة بازدياد وتعاونية أكبر، في حين أعلنت الأمم المتحدة أن الصفقة ستوفر مليار دولار سنويا. أما الصفقة الكبرى فتمثل ما يشبه الصندوق الخيري تخصص له دول العالم، والثرية منها على وجه الخصوص، نسبة مئوية من مساعداتها الخارجية لإنقاذ وحماية البشر في مواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية خاصة في أوقات الحروب والنزاعات والصراعات المسلحة، بحيث يمكن حماية الملايين من الأبرياء من مصير مأسوي ومخاطر جسيمة على غرار ما يحدث في سوريا وليبيا والعراق من ناحية، وما يتعرض له اللاجئون والنازحون والمهاجرون غير الشرعيين من ناحية أخرى. وبالنسبة للقمة فهي تلك التي استضافتها مدينة إسطنبول التركية قبل أيام لتكون أول قمة من نوعها في التاريخ الحديث والمعاصر تحت عنوان لافت هو القمة الإنسانية العالمية الأولى، وكان لافتا أيضا أنها انتهت بتلك العبارة المؤثرة التي قالها بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إننا بشرية واحدة ذات مسؤولية مشتركة وهي كلمات قد تلخص إلى حد كبير الهدف النهائي الذي عقدت من أجله القمة ألا وهو حماية البشرية من كثير من المخاطر الأمنية والحروب والأزمات الخطيرة بحيث تكون البشرية بالفعل في أمان من كل ما يهددها. ولعل كلمات بان كي مون الأخرى تقدم تفسيرا أكثر وضوحا لأهداف تلك القمة التي رأى فيها العديد من السياسيين والدبلوماسيين والمراقبين على مستوى العالم لغزا محيرا حول بواعثها وأهدافها، حيث حدد أمين عام الأمم المتحدة هدفا نبيلا فضفاضا بقوله نحن هنا لصياغة مستقبل مختلف، فلنعقد النية هنا والآن، لا على مجرد إبقاء الناس أحياء بل لإعطائهم الفرصة للعيش بكرامة. الهدف بالفعل في منتهي النبل؛ إعادة تشكيل النظام الإنساني الحالي وذلك بعدما ثبت أن هذا النظام غير ملائم لتلبية الطلب المتزايد على المساعدات الإنسانية لـقرابة 130 مليون مشرد في ظل مقتل وفرار مئات الآلاف من التفجيرات والأعمال الوحشية في الحرب السورية مثلا، وغيرها من الصراعات الأخرى والكوارث الكبرى البشرية منها والطبيعية إضافة إلى الملايين الذين يواجهون خطر المجاعة في الجنوب الأفريقي ومناطق أخرى من العالم. لقد حاول المشاركون في القمة تطوير طرق جديدة للنظام الإنساني الدولي في خمس مجالات مسؤولية جوهرية هي: منع وقوع النزاعات وحماية المدنيين وعدم ترك أي محتاج وحده، وإنهاء الحاجة للمساعدات الإنسانية والاستثمار في البشرية. ولهذا ضغط بان كي مون بشدة على الزعماء العالميين لإبداء إرادة سياسية كبيرة من حيث الحجم والنطاق على نحو لا سابق له في السنوات الأخيرة لمنع وقوع الحروب وإنقاذ الأجيال.وإزاء ذلك أقر الزعماء بأن الحكومات فشلت في الوفاء بوعودها وتحويلها لحقيقة بدءا من الحدود السورية وحتى شواطئ البحر المتوسط حتى الآن واعتبروا أن النظام الإنساني الحالي تعطل. أبدى الزعماء العالميون للمرة الأولى اعتزامهم التركيز على الأسباب الجذرية لمنع النزاعات ومحاولة تحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو أفضل بينما يولون اهتماما اكبر لحل النزاعات، وفي هذا السياق أعرب مثلا اندريا جامبوريني الرئيس التنفيذي لمبادرة العمل ضد الجوع عن تفاؤله إزاء إحداث القمة فروقا جوهرية في نظام المساعدات الإنسانية، وقال نحن لا ندعو فحسب القطاعات ذات الصلة لدعم القانون الإنساني الدولي وإنما نلزم انفسنا أيضا باتخاذ اجراءات محددة للتأكد من أن يكون مستقبل المدنيين العالقين في الصراعات وعمال الإغاثة الإنسانية افضل. وطرحت كذلك دعوات لتطوير سياسة جديدة تتعلق بالنازحين داخليا في منطقة الشرق الأوسط، كما ينبغي أن تشكل الحلول السياسية أولوية للحكومات ولمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بغية إنهاء الصراعات وعمليات النزوح والمعاناة الإنسانية. هذه بالتأكيد أهداف إنسانية غاية في النبل، ولكن تظل الحقيقة المؤسفة أنه بدون إرادة سياسية دولية جمعية وبدون معايير واحدة تنطبق في كل الحالات سيكون من المستحيل تطبيق هذه الأهداف، ولن ترى النور في الغالب لأنها ستعاني من نفس مشاكل قرارات الأمم المتحدة التي تعاني من التسييس والأهواء الذاتية وازدواجية المعايير، فتظل حبيسة الأدراج.