لست ضد فرض المخالفة على التصرفات المعيبة، كالبصق أو رمي النفايات في الشارع، فهي محاولة طموحة لتهذيب سلوك المجتمع، وإعادة تأهيله، كي يصبح من شعوب العالم المتقدم، لكن التصرفات الأخرى، الأكثر خطورة وإيذاء للآخرين، خاصة في قيادة المركبات، هي ما يجب إيقافها، بقوة الأنظمة واللوائح المرورية، ورفع المخالفات إلى أقصى حدودها، فليس منطقيا أن أبحث عن طريقة لمراقبة ما إذا كان السائق قد بصق، بينما هو يقفز على الرصيف، ويخالف السير، ويقطع الإشارة الحمراء، ويعرض حياة الآخرين إلى خطر حقيقي! ومع ذلك، وإذا افترضنا أن فرض عقوبات على التصرفات غير اللائقة، من بصق ورمي نفايات في الشوارع، لن يلغي عقوبات المخالفات المرورية، فإن غرامة مالية قدرها مائة وخمسون ريالا، لا تعني شيئا، ولا تمنع المواطن والمقيم من ارتكاب هذه المخالفات، فضلا عن السؤال المهم، كيف يمكن مراقبة سلوك الناس؟ كيف يمكن توثيق مخالفة من رمى علبة مشروب غازي أو بقايا الطعام في الشارع؟ وحينما أذكر بأن قيمة المخالفة المتواضعة، وطريقة الرقابة، هي الأهم في الموضوع، فإنني أستعيد ما تقوم به بلدية مدينة دبي، من ضبط المخالفات بشكل دقيق، وفرض غرامات مالية عالية، تجعل المواطن والمقيم والسائح يفكر ألف مرة قبل أن تمتد يده من نافذة عربته، لرمي النفايات منها إلى الشوارع النظيفة، والدليل حينما نقارن بين وافدين من دولة واحدة، أحدهما في الرياض، والآخر في دبي، نجد الفارق شاسعا بينهما، فالهندي مثلا في دبي يختلف عنه في الرياض، حتى لو كان من نفس المستوى الاجتماعي، بل حتى لو كانا أخوين عاشا في بيت واحد، لكنهما الآن في بيتين مختلفين، بيت يتركه يفعل ما يشاء، دون رقابة ولا عقوبة، وبيت يضبط تصرفاته بدقة وصرامة. كثير من الوافدين والغرباء يشعرون بالخوف والحذر في الأشهر الأولى لوصولهم إلى بلادنا، لكنهم حين يلاحظون دائرة الفوضى الواسعة، والانفلات السلوكي، يدخلون هذه الدائرة بكل جدارة، بل ويسهمون في اتساعها أكثر وأكثر، ولن يوقفهم، ويوقف المواطن المخالف أيضًا، إلا أنظمة ولوائح تتضمن وصفا للمخالفات، وغرامات ثقيلة لها، ورقابة دقيقة على أرض الواقع. إن فرض العقوبات على المخالفين، والغرامات المالية الكبيرة، يحقق هدفين معا، ضبط العلاقات بين الناس، واحترام الممتلكات العامة والحفاظ عليها، والقضاء على الفوضى والانفلات، لتصبح مدننا أجمل، ومظاهر الحياة عندنا أكثر رقيا وتقدما، وفي نفس الوقت تحقيق دخل إضافي للميزانية العامة للدولة، كما هو شأن مختلف ميزانيات الدول المختلفة في العالم. مقالات أخرى للكاتب أنت شريكٌ في الرقابة! خمسون عامًا من الجدل! تحدي القراءة والتحفيز عليها اعتذر عما فعلت! تدريب الحواس وتهذيبها