×
محافظة المنطقة الشرقية

«البوارح» تعاود نشاطها.. وغبارها يخفف حدة أشعة الشمس

صورة الخبر

أصبحت الطيور المهاجرة سابقاً، غاضبة وشرسة، لأنها تواجه خطراً وجودياً نتيجة اقتحام الخنازير الخضراء موطنها الجميل من طريق مراكب غريبة الشكل رست في مرافئها، محمّلة بالعشرات منها. ما سبق ليس سوى جزء من مقدمة فيلم «الطيور الغاضبة» الذي يحتل المركز الأول حالياً على شباك التذاكر في الصالات الأميركية، متقدّماً على النسخة الأحدث من فيلم «كابتن أميركا» الشهير. قُدّرت إيرادات الفيلم، وفق «نيويورك تايمز»، بنحو 36 مليون دولار في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في أميركا الشمالية وحدها، وبنحو 151 مليون دولار في السوق العالمية. هكذا تدخل لعبة التطبيقات الشهيرة «Angry Birds» التي حُمّلت لأكثر من 100 مليون جهاز عبر متجر أندرويد للتطبيقات، عالم السينما بنجاح كبير. غير أن هذا الأمر لم يترجم كذلك لجهة تقويم المشاهدين، إذ لم يحظ الفيلم بأكثر من نجمتين من خمس في موقع Rotten Tomato وثلاث نجمات في موقع IDMB الشهير. يتوجّه الفيلم إلى الأطفال، لكنّه ذيّل بعبارة وجوب حضور الأهل (PG)! أما موضوعه فيتناول الطيور السعيدة التي تعيش في جنتها - جزيرتها البعيدة نسبياً وسط البحر التي استقبلت بصدر رحب مجموعة صغيرة من الخنازير الخضراء التي كانت تخبّئ العشرات من أقرانها في باطن المركب الذي حملها إلى جنة الطيور. اندمج الوافدون في المجتمع الجديد حيث سُمح لهم بالاختلاط مع الطيور وعزف موسيقاهم وتحضير طعامهم وممارسة ألعابهم ورقصاتهم ومجمل أنشطتهم الثقافية. وتابع مجتمع الطيور استقبال المزيد من المقبلين الجدد، متجاهلاً تحذيرات القلّة الغاضبة من أبنائه، المنبوذة اجتماعياً أصلاً، والتي كانت أشارت إلى الأخطار التي قد يشكلها هؤلاء. تتوالى الأحداث، ويكتشف المشاهد أنّ الهدف الأســـاس للوافدين الجدد المحملين بصناديق خشبية موسوم عليها الأحرف الثلاثة TNT، اختطاف صغار الطيور والهرب بهم إلى موطنهم الأصلي. تستنفر هذه الحقيقة الطيور الغاضبة فتنتفض على العقد الاجتماعي القائم وتقود مجتمع الطيور بأكلمه في رحلة الانتقام من الخنازير الناكرين الجميل والبغيضين. كل ذلك في عملية ثأرية عنيفة تنتهي بانتصار الطيور في مشهد حربي حقيقي، تستعمل فيه الطيور أجسادها لتدمير بيوت الخنازير الخضراء. كان الفيلم عادياً لو لم تُسقَط أحداثه على واقع اللاجئين السوريين المتجهين في قوارب الموت إلى شواطئ أوروبا، على رغم ارتفاع أصوات قلة متطرفة تحذر من خطرهم على المجتمعات الغربية المتحضرة. وكان الفيلم خيالاً لو لم يتزامن مع دعوات دونالد ترامب إلى بناء الأسوار العالية، مطالباً المواطنين الغربيين بالمبادرة إلى مواجهة ظاهرة توافد الأجانب، في ظل عجز الأنظمة والمؤسسات المدنية القائمة. كنت، ربما، لن أنتبه إلى الكثير من الأحداث التي ذُكرت أعلاه لو لم أكن أنا نفسي لاجئاً يحاول إعادة بناء حياته مع أسرته في مجتمع استقبله بكل رحابة صدر وسخاء ومنحه فرصة للعيش الكريم والآمن. كنت أشاهد الفيلم مع ابني غدي وأفكر بيومه التالي في المدرسة، وكيف سيناقش الفيلم مع زملائه الذين استقبلوه في منتصف العام وعلموا أنه آتٍ من خلف البحار بحثاً عن حياة أفضل في مجتمعهم. فنحن لسنا بخنازير، ولسنا من لون واحد. كل ما حملناه معنا بقايا ذكريات موسومة بشوق لعائلات وأصدقاء انسلخنا عنهم. ولا نريد اختطاف نمط حياة أحد، بل أن تكون لنا حياة كالحياة. * ناشط وكاتب لبناني