الآن ونحن نرفل بروحانية شهر رمضان مفعمين بالإيمان زاهدين في الدنيا مقبلين على الآخرة نتزوَّد بقربات وخيرات نقدِّمها بين يدي الله،عساه يتقبَّلها ويتقبَّلنا لنكون من الفائزين برضوانه و جناته. هذا، ولأن الإطعام من أكثر الأعمال قُربة إلى الله، فقد حثَّنا ديننا على بذله في شهر الخير والصدقات، حيث أثنى الله على من يطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً؛ ولقد دأب مجتمعنا الكريم على البذل بكل أشكاله، فمن صوره التي تسابق عليها المحسنون: توزيع سلال متنوعة من الأغراض الشرائية، التي غالباً ما تحوي الأساسيات من الأطعمة التي يحتاجها الفقير، وهنا لنا وقفة! فمع أن بعضاً منا يحرص على شراء أغراض للمحتاجين بنفس مستوى استهلاكه الشخصي، إلاَّ أنَّ الأغلبية تعتمد على اقتناء العروض الجاهزة المقدَّمة من محلات التموينات الشهيرة، وقد لمسنا بأنفسنا أن غالبية ما تحويه هذه السلال من منتجات غذائية من الدرجة الثالثة، التي غالباً ما تختلف درجة جودتها عن السائد، أو يقوم المتصدقون بتوزيع بطاقات مشروطة الشراء من نوعيات محددة، بحيث لا يسمح البائع لحاملها إلا باقتناء ما هو محدَّد مسبقاً وليس على حسب حاجته! ولأننا نُحسن الظن في نيَّة المتصدق الصافية، ومدى حرصه على كسب الأجر إلاِّ أنَّ ثمة سلبيات من جراء فرض أطعمة معيِّنة إجبارياً على الفقير فعلى سبيل المثال: وجود أكثر من جهة تمد المحتاجين بتلك الأغراض التي لا يستهلكونها، فتتكدس لديهم بلا فائدة ـ حتى تنوء بها مطابخهم ـ فهم بين ما يفيض على حاجتهم، وما لا يصلح لاستخدامهم، وهنا تكثر علامات الاستفهام المتعجبة! فإلى متى ونحن نمارس الوصاية عليهم، نحِّدد لهم ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون، وغالباً ما يكون من الأنواع الرخيصة جداً في السوق! فدعونا في هذا الشهر الفضيل ندخل السرور على قلوبهم بمنحهم الحرية في شراء ما يحتاجونه ـ فهذا هو القرض الحسن والصدقة الزكية الذي ننشد الله أن يضاعفها ـ ونكف عن الاستهانة بهم، وإهانة آدميتهم المكلومة بتصنيفنا لنوعية استهلاكهم وكأننا نثبت المسافة الفارقة بيننا وبينهم.