افتتح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة مساء أمس الأول في ندوة الثقافة والعلوم في دبي معرض حضن من النور للفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه، وحضر الافتتاح سلطان صقر السويدي رئيس مجلس إدارة الندوة. تضمن المعرض 24 عملاً تشكيلياً و3 مجسمات تشكيلية، والمعرض يكمل المسيرة التأملية للفنانة لوتاه، التي تمزج بين التشكيل والروحانيات لتخرج أعمالها بهالة من النور، وتتأسس على رؤية تصوفية للحياة، تسعى من خلالها إلى السمو بالروح في مدارج الإيمان، وتمثيل ذلك السمو في صيغ تشكيلية تجريدية من الألوان التي تنتظم في إيقاع يعطي ملامح حروف مجردة، وسوف يكتشف المتأمل لتلك الإيقاعات التمثيلية الخطية ظلال نصوص لكبار الصوفيين، خاصة رابعة العدوية التي أفردت لها الفنانة عملين مجسمين من مادة بلاستيكية طلتها بالأحمر والأزرق وأعطتها شكل رق جلدي، وكتبت فيها أبياتاً متداخلة من أشعار العدوية، في ملمح فني يستدعي مفهوم العشق الصوفي عند تلك المتصوفة الراسخة التي ضربت المثل في الفناء في الحب الروحي. كلمة العشق بمدلولها الروحي الصوفي هي مفتاح أعمال لوتاه في حضن من نور فالألوان التي تصنعها بصيغ مختلفة هي أحضان متعددة لتمثلات متعددة أيضا لذلك العشق الذي يتجلى بأحجام وكتل مختلفة في وسط الحزمة اللونية، فتبدو ظلال الحروف طافية على سطح بقع ضوئية، وتنسجم من حولها الألوان، وقد اختارت الفنانة أن تجعل ألوان كل لوحة منسجمة بين الألوان الفاتحة والغامقة، فحين تجعل أساس لوحة ما اللون الأصفر فإنها تنظم معه الألوان الفاتحة، فيبدو الجو العام للوحة يوحي بالانشراح، أما حين تختار للوحة أخرى الأخضر الغامق، فإنها تنظم معه ألواناً غامقة أيضاً، ليبدو النور الذي تصنعه في وسط اللوحة ساطعاً، موحياً بأمل وسط الظلام. بعض الأعمال اتخذ شكل مكعبات ضوئية بواجهات ملونة ترى من خلالها تموجات اللون حيث يخترق الضوء اللون صانعاً حركية إيقاعية داخل الواجهة بفعل الامتدادات والانحناءات المتعاقبة لشكل الحرف الذي تغيب هويته ويبقى أثره، كما أن بعضها جاء على شكل لوحات كبيرة باذخة باللون، تتركز إضاءته في منطقة معينة من الوسط، وتقدم صورة موحدة منسجمة يتجلى فيها مفهوم العشق كمركز تتألف اللوحة من حوله، وبعض الأعمال الأخرى جاءت على شكل لوحات صغيرة متجاورة في مكان واحد، تتوزع عليها أشكال تجريدية لحروف وكأنها في مجموعها هي تمثيل لذلك العشق الذي يتعدد في الكون لكنه في النهاية واحد في تعدده، وفي انسجامه اللوني. يمثل معرض حضن من نور استمراراً لتوجهات لوتاه ورؤاها التصوفية التي ظهرت في أعمال سابقة من خلال التركيز على الضوء والنور اللذين هما نبراس الروح وإطلالتها المفتوحة على الكون، ويبدو التزامها بالتجريد هو ترجمة أمينة لتلك النزعة الروحانية المفارقة للعالم المادي والتي تسعى في الوقت نفسه إلى تضمين عالم المادة معنى أكبر وإحلال الروح فيه حتى يستأنس بها، وسبق للوتاه أن قدمت أعمالا ذات موضوعات خاصة مثل المرأة والطفل اللذين رأت أنهما يدفعان ثمن الصراعات والحروب أكثر مما يدفعها غيرهما، وتعود تجربة لوتاه إلى نهاية حقبة السبعينات من القرن الماضي عندما كانت تدرس الفنون الجميلة في بغداد، ثم في أمريكا التي اكتشفت فيها حيوية الفن كمعايشة تجعل الفنان يكتشف خصوصيته. ولدت فاطمة لوتاه في دبي عام 1954 وكان لها ميل إلى الفن بشكل عام منذ أيام الطفولة، فقد شاركت في تجارب مسرحية أثناء الدراسة، واهتمت بالشعر لكنها استقرت على الرسم كفن اكتشفت موهبتها فيه، واتجهت إلى دراسته، وقد استطاعت في سبيل تأكيد موهبتها وحضورها كفنانة أن تتجاوز الكثير من العقبات وتذللها، وبعد تخرجها في الفنون في بداية الثمانينات استقرت في إيطاليا ولقيت تجاربها الفنية هناك إقبالاً.