مع التطور التقني ازداد اهتمام السعوديين بالكاميرا وانتشرت أعمالهم في المهرجانات السينمائية وفي الفضاء الإلكتروني، وأصبح موقع يوتيوب حاضناً رئيسياً لهذه الأعمال التي يخطئ كثيرون في وصفها بـ»الأفلام» وهي لا تحقق أدنى شروط الصناعة الفيلمية. المخرج توفيق الزايدي صاحب التجربة المهمة في صناعة الأفلام يصف أغلب الأعمال بأنها مجرد «فيديوهات» مصورة ويرى أنها بحاجة إلى الكثير حتى تنال صفة «الفيلم». عن هذا الأمر وعن تجربته الثرية مع مؤسسة «مسك» الخيرية التي بادرت بانتاج فيلم «الآخر» وعن محاور أخرى تتعلق بصناعة الأفلام كان هذا الحوار: تردد دائماً كلمة «صناعة» وتصف عملية صناعة فيلم بأنها تختلف عن «التصوير».. فما الذي تقصده بهذا المفهوم؟. قد يكون هناك لبس في الفهم، أو في شرح الفكرة، فأنا لا أقول إنها تختلف تماماً، وإنما أقول إن تصوير الفيلم هو مرحلة ضمن مراحل «صناعة الفيلم». عندما نتحدث عن سينما سعودية؛ فالجزء الأهم منها هو «صناعة» فيلم سعودي، لأن كلمة سينما مرتبطة بصناعة الفيلم وليس بوجود صالات السينما. هناك دول كثيرة لديها صالات سينما وليس لديها صناعة سينما، فوجود صالات سينما هو سوق السينما، يعرض ويبيع تذكرة الفيلم. المشاهد عندما يذهب إلى صالة السينما فهو يبحث عن فيلم يستحوذ عليه ويُدخله إلى عالمه، ولا يذهب لكي يشاهد فيديو مصوراً من أجل المشاهدة فقط!. على المخرج السعودي أن يفكر في فيلمه بطريقة تركيبية عندما نتحدث عن التصوير فإن التكنولوجيا جعلت كل شخص يملك كاميرا، يستطيع أن يصور أي شيء يريده، ينشره بأي وسيلة يريد، وهذا ليس فيلماً، بل مجرد مقطع فيديو مصور. صناعة فيلم تحتاج أشياء كثيرة، الكاميرا جزء مهم منها لكنها ليست كل شيء، ومن أجل صناعة فيلم مؤثر يلامس الواقع أو يخاطب المنطق، وعقل المشاهد، فلابد أن يسير الفيلم خلال صناعته على خط إنتاجي بمراحل مدروسة، يراعي صانع الفيلم خلالها كيف سيتلقى المشاهد فيلمه وكيف تتحول مشاعره إلى أفعال، كالتفاعل مع شخصية ضد شخصية. باختصار صناعة فيلم يشعرك أنك داخل حياة القصة بكل التفاصيل. «المركز السعودي للأفلام» ضروري لمخاطبة الجهات العالمية هل هذا المفهوم بالمعنى الذي أشرت له متحقق لدينا؛ في مجال الأفلام تحديداً؟. بدون مجاملة، للأسف غير موجود، باستثناء بعض الأعمال القليلة، ولكن أغلب الأعمال السعودية القصيرة هي مجرد فيديو مصور، بلا إحساس ولا مشاعر ولا جمال من أي نوع، وكثيراً ما يسألوني كيف نصنع فيلماً.. أتمنى ممن يريد أن يصبح صانع أفلام حقاً أو مخرجاً أن لا يبقى في مستوى الهواة الذي يجعل عمله «فيديو مصور»، بل ينتقل إلى مرحلة صناعة فيلم بطريقة صحيحة، ليصبح فيلماً سينمائياً فعلاً. لا أتحدث هنا عن دراسة السينما، وإنما عن الفعل والعمل لصناعة فيلم. شاهد بعض الأفلام القصيرة العالمية، تجدها وكأنها جزء من الفيلم طويل من حيث جودتها العالية، هذه هي الصناعة، وعندما تحضر المهرجانات السعودية وتشاهد بعض الأفلام تجد نفسك تشاهد فيديوهات مصورة لا تسرق خيالك ولا تتفاعل معها مشاعرك، وللأسف أن بعض المهرجانات السعودية ليس لديها معايير فنية للأعمال، لذلك أي فيديو مصور يصبح فيلماً داخل المهرجان، ومن هنا أتمنى أن تضع المهرجانات معايير فنية من أجل صناعة سينما سعودية. بالتأكيد لا أتحدث عن المحتوى أو المضمون وحسب، بل عن كيفية رؤية هذه المحتوى والمضمون على شكل فيلم سينمائي. ما الذي ينقصنا لتحقيق ذلك؟. بمباشرة، يجب أن يفكر «المنتج/المخرج» بطريقة تركيبية، بمعنى أن ينظر للقطة الواحدة في فيلمه على أنها مكونة من أكثر من عنصر.. صوت، صورة، لون، دلالة، حركة كاميرا، زاوية تصوير، أداء ممثل، وغيرها. وأن يمزج بين هذه العناصر، في كل لقطة، حتى تؤدي المعنى الذي يريد تقديمه في الفيلم كاملاً. وحتى يستطيع المخرج تنفيذ مثل هذه اللقطة فلابد أن يصنع فيلمه وفق سلسلة من المراحل. هناك أمر آخر، وهو أن كثيراً من المخرجين والكُتاب يظنون أن حصولهم على فكرة لفيلمهم هو كل شيء، ولا يدركون أنهم يحتاجون إلى «قصة» وليس مجرد فكرة. تجد الكثير يقول لك لدي قصة ثم يحكي لك فكرته، وهو فعلياً لم يقدم لك سوى «فكرة» مجردة، ممكن أن تتحول إلى برنامج تلفزيوني أو مقال أو حتى كتاب، لكن القصة شيء آخر، وهي صناعة في حد ذاتها، إذ لابد أن تكون القصة متكاملة، وبدون قصة لا تستطيع كتابة سيناريو بدلالاته وأحداثه وصراعاته وشخصياته. لأن السيناريو هو طريقة عرض هذه القصة، ويجب أن نعي هذا الأمر لكي تتطور لدينا كتابة السيناريو للفيلم وليس تجميع مشاهد وأحداث، وبعده تأتي مراحل صناعة الفيلم -مراحل الإنتاج كاملة- ثم يأتي العرض والتوزيع. ماذا عن اليوتيوب السعودي.. والأفلام الذي تعرض خلاله؟. موقع «يوتيوب» مجرد موقع لمكتبة فيديو إلكتروني، وهناك الكثير من المواقع مثل «فيمو» وغيره. عندما تريد أن تقرأ كتاباً تذهب إلى مكتبة الكتب، وسوف تجد كتب الطبخ وكتب الدراسات وكتب الروايات، وكتب الأطفال، هذا هو «يوتيوب» بمفهومه العام، أنا لست ضد الموقع ولدي قناة فيه أضع فيها فيديوهات خلف الكواليس ومقاطع من بعض أعمالي، لكن لا أضع أفلامي؛ لأنه ليس مكانه، ولم أصنع فيلماً من أجل أن أضعه في موقع إلكتروني، لأنه ليس بهذه الطريقة تكون صناعة الأفلام السعودية. لا أتحدث عن برامج الـ»تك شو» أو «ستاند آب كوميدي» أوغيره، أتحدث هنا عن الأفلام وصناعتها. المنصات التقنية الجديدة توفر خدمة التوزيع الرقمي للأفلام، هناك شركات جديدة في مجال التوزيع الرقمي مثل «أمازون» و»نيتفليكس» و»آي تونز» وغيرها الكثير. موقع «يوتيوب» نفسه يعرف هذا الشيء؛ لذلك فهو يقدم خدمة متخصصة في أميركا وفي أوروبا وأكثر دول العالم ما عدا السعودية، وهي خدمة «الأفلام»، تريد أن تشاهد فيلماً عليك أن تدفع ١٤ دولاراً للفيلم الواحد، لأن صناعة الفيلم ليس بهذا الرخص لكي تعرضه مجاناً في موقع إلكتروني. عندما تكون لديك صناعة حقيقية ستنتج أفلاماً جيدة تستحق مثل هذا المبلغ، والسؤال هنا: لو توفرت هذه الخدمة؛ هل هناك «عمل سعودي» ستدفع مبلغاً مالياً من أجل أن تشاهده؟. للأسف؛ حالياً المحتوى الرقمي السعودي مجرد فيديوهات مصورة بمجهودات فردية. صورت فيلمين «الآخر» و»أربعة ألوان» في أستوديوهات أبوظبي على عكس أفلامك السابقة التي صورتها داخل المملكة.. هل وجدت هناك ما يحقق مفهوم الصناعة؟. جميع مراحل صناعة أفلامي الأخيرة كانت هناك بالاضافة إلى مرحلة التصوير كذلك، هناك طريقة إنتاج عالمية وهي الطريقة التي يُعمل بها في جميع أنحاء العالم في صناعة الأفلام، وكانت «مسك الخيرية» التي بادرت بفيلم «الآخر» مهتمة بتطوير الإبداع لدى الشباب، وهي تعي أهمية اللغة البصرية، لذلك كانت في صناعة هذا الفيلم ورشة صناعة الأفلام عملياً، ولديها الآن مبادرة مع أكاديمية نيويورك للأفلام لوضع الشباب السعودي الذي لديه حب الإخراج على الطريق الصحيح. عندما كنت أصور أفلامي في المملكة كنت أجهل الكثير من الأشياء، وكان ينقصني كذلك الكثير من الأدوات التي تساعدني على رواية القصة التي أريد بصرياً، وعندما اقتحمت مجال الصناعة تعلمت الكثير، واستطعت أن أروي أفلامي بشكل بصري أفضل. فيلم «الآخر» وطريقة روايته بصرياً تختلف عن فيلم «أربعة ألوان»، ومن شاهد الفيلمين يعرف ذلك، الألوان، حجم الصورة، حركة الكاميرا، الصوت، لأن كل فيلم وكل محتوى له طريقة لعرضه وطريقة لحكايته وتوصيل مشاعره، فيبقى رأي المشاهد هنا يتعلق فقط بالموضوع والقصة هل أحبها أو لا، وهذا لا يعني أن الفيلم سيّء أو لا. ماذا عن مرحلة ما بعد الإنتاج.. هل هي مهمة للفيلم أم يكفي عمل مونتاج سريع لما تم تصويره؟. مرحلة ما بعد الإنتاج من أهم المراحل، وهي مرحلة المونتاج صناعة الصوت، وتلوين الفيلم وصناعة الموسيقى التصويرية وهذه كلها تعتمد على رؤية المخرج التي تكون من الأساس موجودة ما قبل الإنتاج. الفيلم يُحكى عبر ثلاثة طرق: السيناريو، الإخراج والمونتاج.. والمونتاج هو إعادة حكاية القصة، وهي ليست مرحلة عابرة وبرنامج كمبيوتر، هو لغة مثله مثل طريقة التصوير وحجم الصور. نحن على أعتاب مرحلة جديدة بعد تأسيس هيئتين للترفيه وللثقافة. ما المطلوب منهما؟. جزء مهم في حياة الفرد هو الترفيه، خذ مثالاً لدينا شباب لديه وقت فراغ كبير، وليس لديه مكان للترفيه، لذلك يبحث عنها حتى لو على حساب حياته كأن يذهب إلى «التفحيط»، للأسف. على أي حال صناعة الدراما والسينما باعتقادي هي من مسؤولية هيئة الثقافة وليست الترفيه، وبحكم تجارب سابقة لبعض الدول فإن هيئات الثقافة هي التي تساعد وتمول الأفلام وهي المسؤولة عن صناعة الفيلم السعودي، أما هيئة الترفيه فاختصاصها أوسع، وفي حال تم السماح بصالات السينما فإن جزءاً من اختصاصها يتمثل في تنظيم عملية عرض الأفلام في الصالات غيرها. ما الذي يمكن أن تساهم به هيئة الثقافة لتعزيز مفهوم الصناعة؟. السينما تندرج تحت الثقافة، أما الإنتاج التلفزيوني والإذاعي فيندرجان تحت الإعلام، أتمنى من هيئة الثقافة أن تدرك هذا الفرق وتدعم الثقافة لا الإعلام، لأن الإعلام هو من يعرض منتوج هذه الثقافة، وأتمنى من الهيئة أن تضع بحسبانها مركزاً لصناعة الأفلام يسمى مثلاً «المركز السعودي للأفلام» يعمل تحت مظلتها ويقدم صناديق دعم للأفلام السعودية، ويتواجد في أسواق المهرجانات السينمائية العالمية الكبرى مثل مهرجان «كان» السينمائي وغيره، مثل الدول الأخرى، لإعطاء الصورة الصحيحة عن دولتنا وتسويق مواقع التصوير الجذابة لدينا. وتتم دعوة بعض شركات الإنتاج العالمية للعمل داخل المملكة، لنقل الخبرات والتجارب السابقة، وتعزيز مفهوم صناعة الأفلام داخل السعودية، وخلق بيئة مناسبة للعمل في الإنتاج الصحيح في صناعة الأفلام. توفيق الزايدي