شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى، وتدبيره في كونه، أن يجتبي من عباده على فترات من الزمان، رجالاً أقوياء يتحرّون الحق والصدق والعدل، ليكون ديدنهم في كلِّ شيء، ومبدأً راسخاً يعلنون عنه عند الشدائد وفى المواقف العصيبة التي تستدعي ذلك، ولا يخشون فيما يقولون إلاّ الله سبحانه وتعالى، لأنهم لا يقصدون من وراء ذلك إلاّ وجهه الكريم سبحانه وتعالى، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، ومن هؤلاء الرجال الشجعان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، من خلال مواقفه الصادقة الشجاعة التي صدرت عنه - يحفظه الله - خلال السنوات الماضية وحتى وقتنا الحاضر، وتبرز عظمة وأهمية تلك المواقف أنها تصدر منه في أصعب الأوقات، وأشدّ الأزمات التي تظهر فيها معادن الرجال الأقوياء الصادقين، الذين يقولون الحق لا يخشون في الله لومة لائم، من تلك المواقف الشجاعة النبيلة، موقفه - يحفظه الله - تجاه الأمم المتحدة، حينما حادت عن الحق والعدل، واتخذت مواقف لا تتناسب بأيِّ حال من الأحوال مع المبادئ الإنسانية النبيلة والأعراف الدولية، والقيم الأخلاقية الراقية، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونصرة المظلوم في أي مكان في العالم. وقد عبّر عن اعتراضه على ذلك - يحفظه الله - بطرق دبلوماسيه راقيه، وأخلاق إسلامية نبيلة ودون إساءة إلى أحد، وذلك من خلال رفضه - يحفظه الله - لفرصة تعتبرها كل دول العالم أنها فرصة ثمينة لشغل عضوية أكبر مجلس على مستوى العالم، ألا وهو مجلس الأمن الدولي، من خلال رفض المملكة لمقعد العضوية غير الدائمة لهذا المجلس، فقد رفضت المملكة بإباء وعزيمة وثقة في النفس هذه الفرصة التي تتمنّاها وتسعى إليها وتتوق إليها معظم بلدان العالم، وما يزيد قيمة هذا الرّفض سموّاً ونبلاً، أنه ما جاء من أجل أطماع شخصية ولا لمكاسب مادية، ولكن جاء انطلاقاً من مبادئ أخلاقية إنسانية نبيلة، كأسلوب راقٍ للتعبير عن رفضه لمواقف الأمم المتحدة الجائرة تجاه الكثير من قضايا العالم الإسلامي بصفة خاصة، ومن عدم تحرِّيها للعدل والحق بين الدول والشعوب، وقيامها بالكيل بمكيالين في كثير من القضايا المتشابهة، وبخاصة القضايا المتعلقة بالدول العربية والإسلامية، وانحيازها الصارخ والمكشوف لبعض الدول ذات المصالح الشخصية والأطماع والتوسعة وعلى رأسها إسرائيل، وكذلك الدول الحليفة للدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وذلك على حساب الدول النامية والدوالفقيرة، والأمثلة على ذلك كثيرة وصارخة على مر تاريخ الأمم المتحدة، ومن أبرزها ما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني، فلسطين التي احتلت إسرائيل أراضيها ونهبت خيراتها خلال العقود الماضية وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، دون أن يحرك مجلس الأمن ساكناً في هذا الشأن، اللهم إلاّ من بعض القرارات التي تصدرها بحروفها وتفرغها من مضمونها وتطبيقه على أرض الواقع، من باب ذر الرماد في العيون وخداع العالم بتلك القرارات الجوفاء، والترويج لها من خلال الإعلام الكاذب والمنافقين للدول الكبرى ذات المصالح الشخصية والأطماع التوسعية، وكل من يسير في ركابها ويتبع سياستها ويردد مقولاتها من خلال تبعيّتها الجائرة لها. والمتأمل في تاريخ الأمم المتحدة، يجد أنها قد انحرفت انحرافاً شديداً عن الغايات والأهداف التي قامت من أجلها، فقد أنشئت في 1945، وكانت قبل ذلك عبارة عن مجموعة من الدول أطلق عليها (عصبة الأمم المتحدة)، وكان من أهم الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة في عام 1945م، السعي لكفالة حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، حيث ألزم ميثاقها جميع الدول الأعضاء، العمل على تشجيع الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان، من خلال القيام بجميع الأعمال التعاونية التي تؤدي إلى تحقيق تلك الغايات والأهداف، واتخاذ كافة الوسائل والآليات الممكنة لتنفيذ ذلك، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الغايات والأهداف النبيلة التي لا يتسع المقام لذكرها، إلاّ أنها من حيث التطبيق العملي حادت عن كل قيمها، وخالفت إلى حد كبير المواثيق التي أصدرتها والعهود التي تعهّدت بالمحافظة عليها، فكان هذا الموقف الجريء والشجاع من خادم الحرمين الشريفين، تعبيراً عن استياء المملكة من تصرفات الأمم المتحدة، فهنيئاً للمملكة العربية السعودية بصفة خاصة والشعوب العربية والإسلامية بصفة عامة، هذا الموقف الشجاع والرائد من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -، الذي عبّر فيه عن عدم رضاه عن سياسة الأمم المتحدة، وتحيُّزها الصارخ والواضح لبعض الدول ذات التبعية للدول الأعضاء في مجلس الأمن، على حساب بعض الدول النامية والدول الأخرى ممن لها الحق الجلي فيما يُعرض على المجلس من قضايا.