لا حديث اليوم في المشهد الرياضي السعودي يعلو على حضور الأهلي، الذي فاح عطر إبداعه في كل الملاعب، واستنشقت جدة خصوصًا عبق ذلك العطر، الذي أعاد الرياضي الخلوق والعضو الوفي المحب لناديه الأمير خالد بن عبدالله إلى الملاعب بعد هجر طويل. الأهلي عريس بكل المواصفات كان فريق الأهلي المنافس على بطولة الدوري خلال الموسمين الماضيين حتى الرمق الأخير، أحد أبرز الفرق المرشحة للفوز ببطولة الدوري 2015/ 2016 عطفًا على الاستقرار الفني والإداري الذي يعيشه الفريق، بوجود المدرب السويسري كريستيان غروس الذي رسم للفريق شخصية كروية مميزة في الملاعب السعودية، وكان بإمكان الفريق حسم أمر الدوري مبكرًا والاحتفاظ بكأس ولي العهد، لولا أنَّ الفريق عانى من مشكلة الرقم القياسي من المباريات دون هزيمة، وحينما تحرر من ذلك بعد خسارته كأس ولي العهد وبعدها أمام نجران في الدوري، توقف الرقم ونهض الفريق مقدمًا كل ما لديه من فنون الكرة، فأمتع وأطرب عشاقه وحقق أفضل الألقاب، ووجد غروس العون كل العون من إدارة ناديه ممثلة في الرجل المحب الرئيس مساعد الزويهري الذي منح المدرب كل الصلاحيات، كما أن استعانة الإدارة الأهلاوية بالإداري المحنك طارق كيال كان موفّقًا، لقوة شخصية الرجل وخبرته في الأمور الإدارية، فحلّ مشكلات اللاعبين فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين المدرب من جهة ثانية، وحافظ على هيبة المدرب لدى اللاعبين، وأيضًا على ثقة اللاعبين في قدراتهم. قطبا الموسم من واقع النهائيات والسجلات الكروية، فقد كان الثنائي الأهلي والهلال هما الحاضران على الساحة الكروية أداءً وكفاحًا وعطاءً، واستحقا على ذلك الجهد الفوز بالألقاب الأربعة، حيث كسب الهلال السوبر وكأس ولي العهد، واستأثر الأهلي لنفسه بالبطولتين الأكبر والأغلى الدوري وكأس الملك، في الوقت الذي غاب عن المشهد كقوة كروية مؤثرة فريق النصر بطل النسختين الماضيتين من دوري عبداللطيف جميل، في تراجع مخيف له أسباب كتأخر المكافآت والرواتب وغير ذلك من الالتزامات، فيما كان الاتحاد أسيرًا لمشاكل النادي الإدارية والمالية التي يعيشها منذ سنوات، ودخل فريق الشباب الدوامة ذاتها، وهذا أمر طبيعي لناديين اعتمدا على العطاء الفردي حينًا من الزمان، ولم تستطع الإدارات اللاحقة السير على النهج ذاته، وهو حال ستُقبِل عليه أندية أخرى إذا لم تتدارك الأمر مبكرًا. الاتحاد والشباب.. لا جديد يذكر بالتأكيد لا يُمكن أن يخلو الحديث عن الموسم الكروي من الالتفات لفريقين عريقين هما الاتحاد والشباب، حيث كانت للأول بعض الطموحات في المنافسة لا سيما وأنه بدأ الموسم بالمشاركة الآسيوية من خلال الملحق وكانت جماهيره تردد (نحن أصحاب آسيا.. وآسيا لنا) لكن الواقع كشف أنه غير قادر على الركض لا في السعودية ولا في آسيا، وحل ثالثًا في الدوري بفارق كبير من النقاط، أما الشباب فقد كانت الصورة واضحة جلية من موسم 2014/ 2015 وزادت عليه الظروف قسوة في الموسم الماضي بسوء التعاقدات الفنية والصعوبات المالية. الوحدة والقادسية.. ضيفان ناجيان الوحدة والقادسية هما ضيفا دوري جميل للموسم الكروي الماضي، وعاش الاثنان ضغوطات كبيرة بسبب تواضع النتائج رغم المستويات والعروض الجيدة التي قدماها في الدوري، معتمدين على عدد من الوجوه الشابة، لكن افتقارهما للخبرة من جهة وعدم التوفيق في التعاقدات الأجنبية في الدور الأول من الدوري، وضع الفريقين تحت الضغط حتى الأسابيع الأخيرة التي انتعشت فيها روح اللاعبين وتغلبوا على بعض الظروف، تحت قيادة المدربين نور الدين مضوي (الوحدة)، وحمد الدوسري (القادسية). النصر.. بطل هوى الوجه الآخر للموسم الكروي هو فريق النصر الذي شغل الوسط عامين متتاليين بعبارة (متصدر لا تكلمني.. ثم بطل لا تكلمني) فقد كان ظهوره باهتًا منذ نهاية الموسم قبل الماضي (2014/ 2015) عندما خسر كأس الملك أمام الغريم التقليدي الهلال، واستهل الموسم الماضي بخسارة كأس السوبر أمام الهلال أيضًا، وكانت الدلائل تشير إلى أن الفريق لن يحافظ على اللقب لعدم قدرة مدربه الأسبق داسيلفا على استثمار قدرات اللاعبين بشكل كامل، وكانت الأصوات تنادي برحيله لكن الإدارة النصراوية تجاهلت تلك الأصوات وفضّلت الإبقاء عليه، ثم اتخذت قرار الإقصاء بعد فوات الأوان، وليس هذا فحسب بل إنَّ الخلف وهو الإيطالي كانافارو كان أسوأ من سلفه داسيلفا، فتواصلت رحلة التراجع، ومرة أخرى اتخذت الإدارة القرار الخاطئ بإعادة المدرب كانيدا بناء على رغبة اللاعبين حسب ما أُعلن والذي لم يُضف شيئًا، وبطبيعة الحال لم يكن المدرب فقط السبب، إذ هناك أيضًا المشاكل الإدارية والأزمة المالية، مع انخفاض مستوى بعض اللاعبين مثل أدريان، والشهري، وإصابة محمد السهلاوي. السكري.. زاد حلاه ظاهرة الموسم الكروي كان فريق التعاون الذي قدَّم في بداية المشوار مستويات ممتازة بفضل التناغم الكبير بين المدرب جوميز واللاعبين المميزين مثل جهاد الحسين وعبدالمجيد الرويلي وإيفولو وغيرهم، وأيضًا لنجاح إدارة محمد القاسم في توفير الأجواء المناسبة للفريق بدعم من مجلس أعضاء الشرف، ولولا أن مستوى الفريق تراجع في آخر أسابيع الدوري لنافس بقوة على المركز الثاني مع الهلال وتفوق على الاتحاد، وكان من ثمار ذلك الجهد أن الفريق نال فرصة اللعب في دوري أبطال آسيا لأول مرة في تاريخ النادي. الهلال.. خذلان النجوم الفريق الآخر الذي كان له حضور في الموسم هو فريق الهلال الذي نافس على البطولات، بادئًا بتحقيق السوبر، ثم كأس ولي العهد، وخسر الدوري وكأس الملك، ورغم أنه سار بخطى ثابتة في الدورين الأول والثاني من الدوري، حتى الأسابيع الأخيرة، والتي اهتزت فيها عروضه ونتائجه بسبب تراجع مستوى كثير من اللاعبين، ودخول بعضهم في خلافات مع المدرب اليوناني دونيس الذي يُعاب عليه أيضًا سوء القراءة الفنية للمباريات واستخدام البدائل وإصراره على منهجية واحدة في اللعب. قاطع العادة «عداوة» هذا المثل الشعبي ماثل أمامنا في كل موسم كروي، والمقصود به تعجُّل الأندية في اتخاذ قرارات الإقالة للمدربين الذين يكونون دائمًا كبش الفداء لأي نتائج سلبية، لسبب واحد هو أن الإدارات غير قادرة على مواجهة اللاعبين المتراجعين في مستوياتهم من جهة، وغير المبالين من جهة ثانية، لأنهم يدركون أن الإدارات لن تستطيع المواجهة بسبب عدم وفائها بالتزاماتها وتسليمهم مستحقاتهم المالية، فأثَّر ذلك سلبًا على أداء الفرق. «الانضباط» بلا انضباط لم يخل الموسم الكروي من حديث سلبي وإيجابي عن لجان اتحاد كرة القدم، وأبرزها الانضباط التي استحوذت على الاهتمام الجماهيري والإعلامي وكانت الحاضرة دائمًا في النقاش بقراراتها المتباينة من جهة، وفي تصرفات أعضائها من جهة ثانية، لا سيما الرئيس الأسبق المرشح للجنة خالد البابطين الذي ما فتئ يناكف الاتحاد ويبحث عن دور وحق غير متوفر له. أخطاء الحكام «حدّث ولا حرج» كان الموسم المنصرم من أكثر المواسم أخطاء للحكام ما قلل من الثقة في الحكم السعودي الذي كان في موسمي 2013/ 2014 و2014/ 2015 بدأ في استعادتها، ولم يحقق الخبير البريطاني «غير المتفرغ» لإدارة غرفة التحكيم «هاورد ويب» أي نجاحات رغم سحب الصلاحيات من لجنة الحكام برئاسة عمر المهنا ومنحها له، فقد كانت بعض أخطاء الحكام مفجعة في حقيقة الأمر. نجران وهجر.. وداع شيخ أندية الأحساء هجر ظهرت عليه معالم الشيخوخة مبكرًا بعدم قدرته على مجاراة الأقوياء في ركضهم، وما زاد الطين بلة أنَّ الفريق فرَّط في بعض اللاعبين الذين يمكن لهم مساعدته على تحسين النتائج والموقع، ولذلك كان أوَّل المغادرين، أما نجران فقد قست عليه الظروف بأن لعب موسمًا كاملًا خارج أرضه بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، وتنقَّل بين مكة وجدة، ووجد تعاطفًا من كل الجهات، والفريق كان قريبًا من المنطقة الآمنة للدوري في الدور الثاني مع قدوم المدرب البرازيلي أنجوس ومواطنيه اللاعبين بيسمارك وإريك، حتى إنه فاز على الأهلي والنصر، لكن في النهاية حدثت النكسة التي عصفت بالفريق إلى دوري الدرجة الأولى لتفقد المنطقة الجنوبية سفيرها في الدوري. السومة «رجل الموسم» آخر الكلام في هذا الاستعراض عن الموسم الكروي إشارة مستحقة وتحية لمهاجم الأهلي الفذ عمر السومة الذي كان أحد أبرز العوامل التي مكّنت القلعة من جمع الثنائية التاريخية، بمستوياته الراقية وأهدافه الغزيرة، فقد كانت له كلمة الحسم في أغلب المباريات، وبالذات في النهائيات، ليستحق لقب أفضل لاعب في الموسم، فأقدامه التي لا ترحم أوجعت الحراس ورأسه أبكت جماهير كل الأندية.