قضية الإصلاح في ثقافتنا العربية المعاصرة لازالت ملتبسة بتقاليد غير صحيحة، وتشوبها المظاهر والادعاءات، ولهذا السبب قد تكون محاربة الفساد في المجتمع أقرب للمستحيل في ظل هذه المقاييس، فالمجتمع والنخبة أيضاً، يزكيان البعض من خلال مظاهر غير دقيقة، على طريقة المقولة الشهيرة «نحسبه من أهل الخير»، فهو يحتسب الأجر في أعماله وتظهر آثار العبادة على جوارحه، بينما ذلك لا يعني على الإطلاق أنه صالح بإطلاق في العمل الإداري، وربما لو طبقت معايير الرقابة والمحاسبة المالية على أصحاب المناصب لظهرت المفاجآت ولاتضح أن ذلك المظهر قد يكون مجرد وسيلة لتغطية فساد المرء المالي والإداري. لذلك لا يمكن أن تكون فلسفة الأخلاق الدينية ومظاهر التعبد نموذجاً مثالياً لتولي السلطة، ومرجعية لقياس الإصلاح في عالم الإدارة والمال، فالإنسان تجري في فطرته حب المال والجاه، وقد يجد ألف مبرر ومبرر للاحتيال من أجلهما، ولهذا لا تجدي نظريات التزكية حسب عوامل الولاء العقدي والأخلاق والتدين، ولكن يجب التعامل معهم من خلال معايير القياس المسطري، والذي يشمل مراقبة حساباتهم وقراراتهم وأثرها على ثرواتهم وثروات المقربين إليهم، ومن خلال هذه الرؤية سننجح في تهيئة الدولة والمجتمع إلى الوصول إلى رؤية المستقبل بدون معاناة أو تعثر. كذلك أيضاً لا يمكن أن تكون معايير القبيلة الكبرى وعامل الولاء مرجعية سلطوية لتحقيق رؤية المستقبل، فالكفاءة لا تجري في بعض العروق، وتختفي عن بقية المجتمع، ولكنها ممارسة وتجربة وسيرة ذاتية، ومن أجل تجاوز قضية الولاء تُطبق معايير الرقابة على أداء المسؤول من خلال جهات رقابية محايدة تحظى بالثقة التشريعية، وبالتالي تتم معالجة تكرار الأسماء في الحكومات المتكررة، وستكون المنفعة العليا للوطن وللرؤية المستقبلية، وأعني بعامل الولاء داء المحسوبية الشهير، والذي يغض النظر عن الفساد الإداري إذا كان المسؤول أحد المحسوبين على جهة ما في المجتمع. ومن أجل تفعيل فلسفة الرقابة على الإنجاز الحكومي، وعلى مظاهر الفساد الإداري والمالي، يجب معالجة مسألة تداخل السلطات، وأن تكون هناك جهة محددة المعالم ومسؤولة عن تنفيذ الإستراتيجيات العليا للوطن، وتكون تحت مسطرة الرقابة بصورة دورية، وأن نسميها حكومة مصغرة أو المكتب التنفيذي للرؤية الإستراتيجيات الوطنية العليا أو أي مسمى آخر، وذلك من أجل تجنب مواجهة الدولة أو مصدر السلطات في الوطن في مسألة المحاسبة. ومهما حاولنا أن نبني الهمم ونعيد الثقة في المشروعات الوطنية الكبري، لن ننجح في تلك المهام الكبرى ما لم نتخل عن بعض التقاليد غير المجدية، وهي تداخل السلطات بعضها مع بعض، ولذلك لابد من تحديد جهة التنفيذ بصورة واضحة جداً، ولا تتداخل مع مرجعية السلطة العليا ومكانتها، ثم محاسبتها حسب الخطة المعلنة والمتفق عليها من الجهات العليا. من خلال هذه الرؤية العملية ستنهض مشاعر المسؤولية داخل الأجهزة التنفيذية، فالمنافسة الحرّة وتطبيق الموضوعية في الاختيار والترقية سيكونان النتيجة المرتقبة، وذلك لأن المسؤول أصبح يفكر في رفع نسب الإنتاجية، وإذا لم يحققها أو تعطلت بسبب عوامل الفساد الإداري والمالي سيكون عرضة للمحاسبة والعقوبة، ولهذا دائماً ما تؤدي الرؤى العليا لتصحيح الفساد المالي والإداري، من أعلى إلى أسفل، إلى نتائج مذهلة، وإلى تقويم العمل الوطني في إتجاه الطريق الصحيح. نحن نمارس كثيراً من تجربة فصل السلطات بنجاح، مثل القضاء في كثير من أوجهه على سبيل المثال، لكنها تفتقر إلى التنظيم االإجرائي الواضح، وإلى تسمية الجهات بمسمياتها الصحيحة، فالحكومة التنفيذية لا يمكن أن تكون تشريعية، ويجب أن تكون بينها وبين المصدر الأعلى والجامع لمختلف السلطات مسافة واضحة، وذلك من أجل الوصول إلى إمكانية محاسبة جهة التنفيذ أو الحكومة، وإذا لم نصل إليها، سنواصل التقدم من خلال الطرق الوعرة في مسيرة الحضارات الإنسانية الناجحة، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية في تحديد الجهات المسؤولة أمام المصدر الأعلى للسلطات. والله ولي التوفيق,,, مقالات أخرى للكاتب طهروا الدين من أغراض السياسة أفول بدعة تسييس الدين ظاهرة المال المقدس الحاجة إلى الوطن عقل السلطة وظاهرة التطرف