لم تكف طهران منذ ثورة الخميني عام 1979م عن محاولة فرض هيمنتها على منطقة الخليج، تارة بالعبث بأمن الإقليم في إطار لفت أنظار العالم إلى ضرورة اسناد دور حيوي لها لحفظ أمن المنطقة، وتارة بإشعال الفتن المذهبية، لمحاولة زعزعة الاستقرار، وبالتالي العمل على التسلل من خلالها لبسط نفوذها على الساحة الخليجية الغنية بالنفط والثروات الطبيعية. صحيح أن علاقة الطرفين مرت في بعض الأوقات ببعض حالات الاسترخاء من قبل النظام في إيران، ولكنها لم تكن أكثر من عملية التقاط أنفاس أو هي عملية شراء للوقت لمحاولة البحث عن فرصة سانحة للانقضاض، وإحكام السيطرة كما يحلم أركان نظام الولي الفقيه. جميع دول الخليج تعي هذه الحقائق، لكنها كانت تحاول أن تتجنب المواجهة معها انطلاقا من مبادئ حسن الجوار، وعلى أمل أن يستفيق صناع القرار في إيران إلى أن حلم تصدير الثورة ما عاد قابلا للتنفيذ، كما أن حلم تعميدها شرطيا للخليج، والذي يعتقد الإيرانيون أنه اصبح الآن في متناول أيديهم بعدما دفعوا مهره ثمنا مذلا في اتفاقهم النووي مع الغرب، سيظل مجرد حلم يقظة تنتهي مفاعليه في غرف نوم الملالي، لأن الخليج أعصى من أن يسمح لإيران أو غيرها بتهديد سيادته وأمنه واستقراره بحكم اتحاده، ووحدة قراره في هذه المسألة. إيران التي ظلت تستخدم كل ألوان التدخل والاستفزاز لإيجاد أي ذريعة تتيح لها فرصة الدخول إلى الخليج ومن أي باب، لم تترك حتى شعيرة الحج حينما أرادت أن توظفها سياسيا في محاولة يائسة لجر العالم الإسلامي- الذي ما عادت تنطلي عليه الألاعيب الإيرانية- إلى الوقوف معها لتبرير تدخلاتها السافرة، التي طالما حاولت دول الخليج التعالي عن تلك الاستفزازات وتجاهلها ما أمكن، إلى أن بلغت حدا لا يمكن السكوت عليه، لأنه شارف على إحراق المنطقة التي تشكل إيران جزءا من نسيجها السكاني بحكم الجوار. الآن على دول الخليج ألا تكتفي بموقفها الراهن في لعبة المواجهة مع إيران، فإيران ما بعد الاتفاق النووي، وما بعد فتح أبوابها للغرب، وفتح أبواب الغرب لها، أصبحت أكثر شراسة في محاولاتها الدؤوبة لاختراق أمن الخليج، بعدما فرغت من العراق وسوريا ولبنان، ولم يتبق أمامها للسيطرة على أمن الخليج إلا إنجاز مهمة تحالفها مع انقلابيي اليمن، للإحكام على منطقة الخليج التي تشكل عقد التاج في حلم الامبراطورية الفارسية، وهو ما يستدعي من دول مجلس التعاون الخليجي الانتقال إلى مرحلة أكبر من التنسيق فيما بينها لتنظيم عملية المواجهة، لأن أهمّ ما تعوّل عليه إيران في مواجهتها مع دولنا هو الاستفراد، بعدما استعصى عليها دخول المنطقة عبر وسائلها الرخيصة، ومؤامراتها وخلاياها التي تم كشفها، وهذا ما يستدعي مواقف أكثر صرامة وأكثر حزما مع نظام طهران، لتعلم أن اتفاقها مع الغرب لن يمنحها تذكرة المرور إلى بلداننا، والعبث باستقرارنا ورخاء بلداننا.