هل أبالغ لو قلت إن السعوديين ليسوا محبوبين عند الآخرين كما يتصورون، ليس لأنهم قليلو مروءة أو بخلاء، وإنما بسبب تعامل قلة منهم بجلافة وسفاهة في الداخل والخارج. من يريد كسب احترام الآخرين عليه أن يضمن أولاً ضبط سفهائه وترتيب بيته في الداخل. عنوان المقال تحوير لبيتي شعر استشهد بهما الدكتور وعملاق الأدب طه حسين في حفل تكريمي أقيم على شرفه في مدينة جدة. كان الحفل مبهجاً والكلمات المتبادلة جميلة وصادقة، حتى علق صحفي سعودي طائش بكلام لا يليق عن بلد الضيف. أمسك طه حسين بالميكروفون واستشهد بالبيتين التاليين: أبني حنيفة احكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمو أن أغضبا أبني حنيفة إنني إن أهجكم أدع اليمامة لا تواري أرنبا خيم الصمت الثقيل على الحفل واختفت البهجة بسبب كلام طائش من معلق سفيه. مبالغة طه حسين في قدراته الهجائية واضحة، ولم يكن يقصد أناس بعينهم لكنه استشهاد اللحظة بما خطر في باله ويستطيع الرد به. ملاحظة: استعرت البيتين من كتاب محمد بن عبدالله السيف المعنون: ناصر المنقور، أشواك السياسة وغربة السفارة، الطبعة الأولى ص121. أنصح بقراءة الكتاب فهو يستحق. طه حسين الأديب والمفكر العلم كان في حفل تكريمي في السعودية وخطب خطبة بالغة الحب والتقدير للسعودية وأرض الجزيرة وأهلها، لكن مزاج الحفل سرعان ما تعكر بسبب نزق شخص واحد من البلد المضيف. المغزى المستعمل في عنوان المقال هو نفسه، للفت انتباه من يستطيع التدخل والتصحيح في هذه البلاد إلى الآثار المدمرة معنوياً ومادياً، بسبب التصرفات السفيهة من قلة من شباب هذه البلاد، ليس فقط في الداخل ولكن أيضاً في الخارج. لا أظنه يوجد خلاف على أن تصرفات قلة من شبابنا ألحقت بنا كشعب وبلاد ضرراً بالغاً، ولا خلاف على أن السلطات والجهات المسؤولة عن التربية الأخلاقية والالتزام بالنظام العام والمراقبة والمحاسبة فشلت حتى الآن في التعامل مع ظواهر انفلات وتهور الشباب في الفضاء العام. بسبب الانفلات والتهور الشبابي صارت السعودية تحتل الرقم العالمي الأعلى في حوادث الوفيات والإعاقات وفي تهديد مستعملي الطرق وإقلاقهم وفي التسبب بأعلى الخسائر في تلفيات الأرواح والمركبات والحواجز والجسور والأنفاق، وفي إفلاس شركات التأمين واضطرارها إلى رفع شروطها التأمينية إلى مبالغ كبيرة. ما يسمى عندنا التفحيط، باختلاطاته الفاسدة والمنحلة وما تسببه من نكبات وعاهات هو فقط مجرد فصل واحد من الانفلات الشبابي ومن دلالات التقصير الفاضح في القضاء عليه بضربة قضائية وأمنية واحدة وإلى الأبد. انتشار التحرش والتعدي اللفظي والمضاربات في الشوارع وأماكن التسوق ومواقف السيارات أصبحت ممارسات سعودية يومية. من المهم الإدراك أن هذه السموم الاجتماعية لا تصب فقط في جسد المجتمع الذي يفرزها، وقد وصلت السفاهات إلى قيام مراهقين سعوديين بالاعتداء على عمال النظافة، وفي حادث قريب فقأ مراهقون عين عامل نظافة أجنبي بعد أن أهانوه وضربوه. ظاهرة الاستهزاء بالمقيم أصبحت تسلية يومية للشباب، وفي المدارس وصل التسيب إلى تسلي المدرسات بلعبة الورق في المدرسة وأصبح من الأفضل لمستخدم الطريق أن يهرب بجلده إذا صدمه أحدهم عمداً أو تعدى عليه تفادياً لما هو أعظم. نفس أنواع الفوضى ينشرها السياح السعوديون خارج البلاد. فاحت روائح التذمر منا والاستهزاء بنا في كل بلاد العالم وعلينا أن نحكم سفهاءنا قبل أن تصبح الفاتورة أعلى مما نتحمل.