تسعى أجهزة الدولة المصرية - مع هيئات مسلمة ومسيحية مجتمعية، في مقدمتها «بيت العائلة»، الذي يمثل الأزهر الشريف والكنيسة القبطية - إلى احتواء حادث أبوقرقاص، الذي وقع الأربعاء الماضي، والذي قام فيه 300 شخص بإحراق سبعة بيوت مسيحية في قرية الكرم، وتدمير أثاثها، والاعتداء على مسنين يعيشون فيها، بينهم سيدة - تردد بقوة أنه تمت تعريتها، وذلك بعد أن سرت شائعة بوجود علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة في القرية. ودان الأزهر الشريف الحادث، وقال في بيان إنه «يدين كل صور الإهانة من غير نظر إلى معتقد المعتدي والمعتدى عليه، ومهما كان سبب الاعتداء»، ودعا بابا الإسكندرية وبطريرك القداسة المرقسية البابا تواضروس، في بيان، إلى «ضبط النفس والتعقل والحكمة، والحفاظ على السلام الاجتماعي والعيش المشترك»، وطرحت قوى شعبية مبادرات للمصالحة، لكن ضحايا الحادث «تمسكوا بضرورة إعمال القانون، ومعاقبة الجناة قبل أي تحرك أهلي». اعتزاز كنسي بمشاعر المسلمين عبر الأسقف العام للمنيا، مكاريوس، عن امتنانه للمشاعر التي أظهرها المسلمون تجاه ما حدث، قائلاً: «على قدر الخسة التي ظهرت من البعض، إلا أنه ظهر كل شيء جميلاً في الشعب المصري هذا الأسبوع، هناك نبل وشهامة وكرم وسخاء، فكم الاعتذارات التي وصلتني يفوق الوصف». نجوى فؤاد: مستعدة لأي تحاليل تثبت أنني لم أخن زوجي قالت نجوى رجب فؤاد، 32 سنة، والمتهمة بإقامة علاقة عاطفية مع شاب مسيحي بقرية الكرم في المنيا، إن العلاقة كانت متوترة بيني وبين أسرة زوجي، خصوصاً والده - منذ زواجنا - فوالد زوجي الذي يعمل موظفاً بمجلس المدينة، يتعمد إهانتي وتعنيفي، ويسعى والد زوجي بتحريض من «حماتي» إلى تطليقي من زوجي، لذلك روجا شائعات ضدي، بأنني كنت على علاقة بأشرف المسيحي، وقبل 15 يوماً فقط كنت في منزل زوجي، وقمت بمساعدته على تفريغ سيارة محملة بمواد تموينية، لكن حدث خلاف أسري عادي بيننا، وقام بإهانتي وسبي وطردي، وقال لي: «إنتي شحاتة وجعانة»، وطردني من منزلي، ثم فوجئت بأنه طلقني دون علمي. وتابعت فؤاد، لموقع «الأقباط اليوم»، قمت بتحرير محضر ضد زوجي، اتهمته بالتشهير بي وبسمعتي دون مبرر، ومستعدة أن أخضع لأي تحاليل أو فحوص، تثبت أنني سيدة شريفة، ولم أخن أهلي وزوجي وأبنائي. بدأت القصة الأربعاء الماضي، باصدار الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا وأبوقرقاص، بياناً جاء فيه أن الأحداث المؤسفة في قرية «الكرم»، والتي تبعد مسافة أربعة كيلومترات من مدينة الفكرية، بمركز أبوقرقاص، وقعت بعد شائعة علاقة بين مسيحي ومسلمة، وقد تعرض المسيحي، ويدعى أشرف عبده عطية، للتهديد ما دفعه لترك القرية، بينما قام والد ووالدة المذكور، يوم الخميس 19 مايو الماضي، بعمل محضر بمركز شرطة أبوقرقاص، يبلغان فيه بتلقيهما تهديدات، وأنه من المتوقع أن تنفذ تلك التهديدات في اليوم التالي، وبالفعل فإن مجموعة يقدر عددها بـ300 شخص، خرجوا في الثامنة من مساء اليوم التالي، الجمعة 20 مايو 2016، يحملون أسلحة متنوعة، وتعدوا على سبعة من منازل الأقباط، حيث سلبوها وحطموا محتوياتها، وأضرموا النار في بعضها، وتقدر الخسائر مبدئيا بنحو 350 ألفاً من الجنيهات. وأضاف البيان: قام المتعدون بتجريد سيدة مسيحية مسنة من ثيابها، هاتفين ومشهرين بها أمام الحشد الكبير بالشارع، وقد وصلت قوات الأمن إلى هناك في العاشرة من مساء اليوم نفسه، وقامت بالقبض على ستة أشخاص، حيث تباشر الآن التحقيق معهم. وتابع: «نحن نثق بأن مثل هذه السلوكيات لا يقبلها أي شخص شريف، كما نثق بأن أجهزة الدولة لن تقف منها موقف المتفرج، ونحن إذ نشكر مقدماً أجهزة الأمن، نثق بأنها لن تألو جهداً في القبض على جميع المتورطين ومحاسبتهم». وكانت سعاد ثابت 70 سنة، والدة الشاب المسيحي المتهم بعلاقة مع ربة البيت المسلمة، قد توجهت إلى قسم شرطة مركز أبوقرقاص، جنوب المنيا، وحررت محضراً اتهمت فيه عدداً من الأشخاص بالاعتداء عليها بالضرب، وتجريدها من ملابسها، بعد أن لم يجدوا ابنها في المنزل. على صعيد مقابل، قللت جهات تنفيذية وشرطية من صحة رواية «تعرية سيدة المنيا»، وجرجرتها في الشوارع، لكنها لم تنفِ الاعتداء ذاته وإحراق المنازل. وقال محافظ المنيا، اللواء طارق نصر، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامى أحمد موسى، عبر برنامجه «على مسؤوليتي»، إن «بعض الشباب غير الواعى ألقى صندوقين كارتونيين مشتعلين على مسيحيين»، نافياً الاعتداء على سيدة مسيحية، وتجريدها من ملابسها. وعند اشتعال منزل هناك، ركضت سيدات «بملابس النوم»، وأكد الأمر نفسه عمدة قرية الكرم، عمر راغب، حيث قال «إن السيدة ربما تمزقت ملابسها من التنازع، لكن لم تتم تعريتها بالكامل، ولا جرجرتها». وقال رئيس مباحث المنيا، العميد عبدالفتاح الشحات، في تصريحات صحافية: «ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، بزعم قيام مجموعة من مسلمي قرية الكرم بتجريد قبطية من ملابسها والاعتداء عليها، غير صحيح بالمرة.. ولا يعدو كونه شائعة سخيفة». وأضاف الشحات أن قرية الكرم قد شهدت قيام عائلة مسلمة، منذ أيام عدة، بالاعتداء على عائلة أخرى قبطية بسبب مشكلات الجيرة، وسريان شائعة بالقرية تتعلق بالعِرض، قاموا خلالها بالاعتداء على عدد من منازل الطرف الثاني». لكن على الطرف المقابل، قال شهود عيان، من بينهم جارة السيدة سعاد ثابت المسلمة إنها «سترتها بعد أن جاءت إليها مجردة من ملابسها». من ناحيته، قال الناشط القبطي منسق ائتلاف «مصر أحلى»، هاني فوزي، لـ«الإمارات اليوم»، إن «جوهر المشكلة يكمن في حالة التقصير التي تم بها التعامل مع الحدث، منذ بدايته، من قبل الجهات التنفيذية، وهو الذي أدى إلى تفاقم المشكلة وأوصلها إلى ما انتهت إليه، والتقصير يشمل قسم الشرطة الذي ذهبت إليه السيدة سعاد ثابت، والتي أبلغته بوجود تهديدات حقيقية على حياتها وعلى آخرين، بعدما سرت شائعة العلاقة بين السيدة المسلمة والشاب المسيحي، ويشمل أيضاً عدم وصول الشرطة والعمدة إلى أرض الحادث، إلا بعد ساعتين، والتقصير المتمثل في محاولة تسديد الخانات بأي طريقة، عبر إصدار أوامر بالقبض على أشخاص لا علاقة لهم بالحادث، اتضح أن أحدهم مقعد والآخر متوفى، ما عقد الموقف أكثر». ورفض فوزي توصيف الحادث بالطائفي، وانتقد الإعلام لتصويره الأمر كذلك، وقال إنه «حادث جنائي، ولابد أن يتم النظر إليه في إطار اعتداء إجرامي، من أشخاص مجرمين على سيدة مصرية مسنة فوق السبعين». وأشار فوزي إلى ضرورة الاعتراف بأن «هناك أجواء شحن طائفي، بفعل السنة التي حكم فيها (الإخوان) البلاد»، وقال إن «الأحداث الطائفية، التي شهدتها البلاد من الزاوية الحمراء إلى الكشح، وصولاً إلى حادث قرية الكرم، لو عولجت بشكل صحيح، لما وقع التراكم الذي نراه الآن». وختم فوزي بأنه «يرى ضرورة أن ينفذ القانون أولاً وبكل حزم، حتى يرتدع الجميع، ثم تأتي بعد ذلك الجهود الأهلية». وقال نائب رئيس هيئة القضاء العسكري سابقاً، ونائب اتحاد القبائل العربية حالياً، اللواء طه سيد طه، لـ«الإمارات اليوم»، إن الصعيد بحاجة إلى جهود خاصة من الإعلام والأزهر الشريف والكنيسة، لأنه بحاجة إلى مواجهة الجهل والتعصب، والمناخات التي تترعرع فيها مثل هذه الأجواء السلبية. ورفض طه توصيف الحادث بالطائفي أيضاً، وقال: «يمكننا أن نقول العصبية والقبلية هما الأوضح في الصعيد، وهما اللتان تكتسيان ثوباً طائفياً أحياناً، وهناك نوعان من المواجهات: أحدهما طويل النفس متمثل في دور الهيئات الاجتماعية والثقافية والإعلامية، والآخر سريع وحازم، وهو التطبيق الصارم للقانون». وأوضح طه «أن مصر مستهدفة من الداخل والخارج، وهناك من يتربص ليأخذ من أصغر الأحداث نقطة انطلاق، ليصنع بها فتناً مجتمعية كبرى». واعترف اللواء طه بمحدودية دور الأحزاب السياسية، خصوصاً في الصعيد، وأرجع ذلك إلى حداثة ونقص خبرة معظمها، فهي وليدة في الحياة السياسية». وشهد تطور الحدث تحرك «بيت العيلة»، حيث أرسل الإمام الأكبر شيخ الأزهر، د.أحمد الطيب، 40 واعظاً إلى قرية الكرم لتهدئة الأجواء في القرية، كما تحرك «بيت العيلة» لاحتواء الموقف، لكن ضحايا الحادث رفضوا أي وساطة مجتمعية للصلح الأهلي، قبل تطبيق القانون على الجناة. وقال الأسقف مكاريوس، في تصريحات إعلامية: «نرفض رفضاً تاماً أن يظهر في المشهد الآن ما يسمى (بيت العائلة)، أو جلسات الصلح العرفية، فهذا يضر ويجهض القضية، لابد أن تتحرك المؤسسات القضائية، ليتخذ القانون مجراه، وإلا سيظهر أمام الرأي العام أنهم تصالحوا، كأن شيئاً لم يكن، فلابد أن يقدم للعدالة كل من شارك في هذه الجريمة وينال عقابه لكي يكون عبرة للآخرين» وتابع مكاريوس «الشخص المسؤول كان من الممكن أن يجنب البلاد ما حدث، لم نسمع عن مسؤول تمت مساءلته أو محاسبته، ولم أقل إقالته، لكن على الأقل يسأل ويناقش». على الصعيد البرلماني، تقدم 10 نواب، على رأسهم مارغريت عازر وجون طلعت، بعريضة إلى رئيس مجلس الشعب، د.علي عبدالعال، طالبوا فيها باستجواب وزير الداخلية، طبقاً لنص المادة 130 من الدستور، والمادة 216 من اللائحة الداخلية للمجلس، حول تقاعس وتباطؤ الأمن في حماية مواطنين أقباط بقرية الكرم أبوقرقاص المنيا، ما أدى إلى احتراق منازل عدة، وتعرية سيدة وتجريدها من ملابسها، ما يثير الاحتقان الطائفي. يذكر أن محافظة المنيا استحوذت، طبقاً لتقرير أصدرته «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» عام 2015، على 33% من الأحداث الطائفية في مصر.