لقد جاء تصويت مجلسي النواب والشورى قبل نهاية دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الرابع باستبدال عبارة (فصل الدين عن السياسة) بعبارة أكثر مرونة وقابلية عند الشارع (لا جمع بين المنبر الديني والعمل السياسي)، وهي تعديل في مبادئ وأسس مشروع أحكام القانون رقم (26) لسنة 2005م بشأن الجمعيات السياسية. وجاء تصويت المجلسين سريعا قبل انفضاض أعمال المجلسين، علما بأن مجلس الشورى قد عانى في الفترة الماضية من ضعف المواضيع المحولة له من مجلس النواب مما استدعى رئيس المجلس للمطالبة بإلغاء بعض الجلسات، فقد شهدت جلسات المجلسين في الأسابيع الماضية سرعة (سلق المشاريع بقانون) وكذلك كثرة المشاجرات بين النواب مما استدعى البعض للجوء للقضاء. إن المتأمل في التعديلات الأخيرة على قانون الجمعيات السياسية يجد أنها تسعى لفصل الشأن الديني عن السياسي، وما ذاك إلا بسبب التوترات التي حصلت في أعقاب أحداث فبراير ومارس عام 2011م والتي لا زال المجتمع البحريني يدفع ثمنها باهظا، فقد استغلتها بعض الجماعات الريديكالية والمتطرفة، فكانت هناك خطابات منبرية تدعو للعنف والتطرف والطائفية من خلال تناولها لبعض القضايا السياسية، وفي المقابل كانت هناك أطروحات برلمانية متطرفة وتدعو للتحزب والطائفية بدثار الدين، ولعل المتأمل في الفصول التشريعية الماضية يرى أنها كانت سببا في عرقلة مسيرة المجلس أو تحقيق بعض المكتسبات. إن التعديلات التي أقرها المجلسان (النواب والشورى) قد جاءت في مادتين، الأول تنص على أن ( طريقة وإجراءات تكوين أجهزة الجمعية واختيار قياداتها على ألا يكونوا ممن يعتلون المنبر الديني بالوعظ والإرشاد والخطابة ولو بدون أجر)، وهذا يعني أن يعاد ترميم بعض الجمعيات التي أقيمت على أسس طائفية، فالموافقة على تشكيلها عام 2002م كان خطأ فادحا يدفع المجتمع ثمنه اليوم، فهناك جمعيات - مع الأسف الشديد- بلون مذهبي واحد، الأمر الذي جعلها في أقصى اليمين بمجتمع متعدد مذهبيا وعرقيا وفكريا. أما المادة الثانية فتنص على ( ألا يجمع العضو بين الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد ولو بدون أجر، وفي كل الأحوال لا يجوز الجمع بين العمل الديني والسياسة)، بمعنى أن لا ينخرط المشتغل بالشأن الديني في العمل السياسي، وهذا في حد ذاته مكسب للجمعيات السياسية التي تأثرت في الفترة الماضية ببعض المرجعيات الدينية التي أحاطتها ببعض الفتاوى المتطرفة. لقد أصبح من الضروري اليوم الوقوف مع دولة القانون والمؤسسات، وأن يتم دعمها بالتشريعات التي تحفظ أمنها واستقرارها، فما شهدته في الأعوام الخمسة الماضية كافية لمراجعة القوانين والأنظمة، فللأمانة الجميع يريدها دولة مدنية لا دولة طائفية كما هو حاصل اليوم في العراق، فإما أن تكون دولة مؤسسات وقوانين أو دولة بمستوى جمعيات (الكونغو) التي تعمل في كل شيء، فما شهده المجتمع من أعمال عنف وتخريب وتدمير ودعوة للطائفية كان بسبب اشتغال بعض رجال الدين بالسياسية، واشتغال بعض السياسيين بالدين. من المؤسف حقا أن بعض الجمعيات السياسية قد استغلت المنابر الدينية في الحملات الانتخابية للتأثير على الناخب البحريني، فتأثر البعض بالفتاوى والخطب المنبرية، وتأثر آخرون بالمساعدات الخيرية التي تقدم لهم. لا يعنينا خوف الناخب من الفتاوى أو لهاثه خلف المعونة، ولكن الخوف من تأثير الزواج غير الشرعي بين المنبر الديني والعمل السياسي، وقد يتذرع البعض بأنه فصل للدين والدولة، وفي هذا خلط كبير، فحين يكون الخطاب الديني مؤججا ومحرضا للعنف والتخريب والتدمير فحينها لا بد للمجتمع من التحرك لحفظ أمنه واستقراره حتى وإن كان بطريقة الخلع. من هنا فإن المسئولية اليوم تحتم على الجمعيات السياسية باختلاف تلاوينها وأطيافها إعادة ترتيب أوضاعها، ودراسة برامجها، والمشاركة في بناء دولة القانون والمؤسسات بعيدا عن الانزواء على الذات، يجب أن تقوم تلك الجمعيات على الأسس المدنية لا الطائفية، وأن يكون شعارها المواطنة لا المذهب، وأن تتنافس على تثقيف المواطن باحترام القانون والنظام، بهذا نؤسس لمرحلة جديدة في مشروعنا الإصلاحي الكبير حتى وإن تم فصل المنبر الديني عن العمل السياسي.