بعيداً عن شعارات التغيير، ومبادرات التطوير، التي رصدت لها الميزانيات، واستهلكت كثيراً من الجهد والوقت و«الورق»؛ فإن حال تعليمنا بوجهه الحقيقي، ومخرجاته التي لا تكذب ولا تتجمَّل، يشير إلى مدى التباين، وحجم التناقض، بين الواقع والتنظير، حيث لا يمكن أن تتحقق نهضة التعليم، بالأحلام «والتعاميم»..! ولأن أي مبادرةٍ للتطوير، لا تنظر إلى العملية التعليمية، كمنظومةٍ متكاملة ومترابطة، لا يمكن عزل أحد عناصرها عن بقية العناصر الأخرى، ستبقى مجرد محاولاتٍ عرجاء، لا تضيف جديداً، ولا تصنع فارقاً؛ فلا غرابة أن يظل تعليمنا «تقليدياً»؛ لم يجاوز أساليب «الكتاتيب»، و«تلقينياً»؛ لم يبرح دائرة «الحشو» والحفظ «الصم»، في عصر ثورة التقنيات، والعالم الرقمي والافتراضي، وموجة وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت مدارسنا «جُزراً» معزولة، تعيش خارج العصر، وأصبح طلابنا، كائنات «منفصمة»، نتيجةً للفارق العظيم، بين ما يدرسونه داخل الفصول، وما يعيشونه في حياتهم اليومية..! واتساقاً مع واقع التعليم الحالي، الذي يركز على المعلومات والمعارف الصماء، كغاياتٍ بحد ذاتها، وينظر لعقول الطلاب كأوعية فارغة، لا بد أن تملأ بالحد الأقصى من المحتوى المحفوظ عن ظهر قلب؛ فلا تزال أساليب التقويم، تقيس الحد الأدنى من التحصيل، القائم على التذكر، واجترار المعلومات، والتسميع، مع الإغفال التام للأداء والإنجاز، ومهارات التفكير..! ومن المؤسف كذلك، ومع تواضع وسائل وأساليب التقويم في التعليم، أنها تُبنى وتعد بشكلٍ عشوائي ورديء، حتى وصلت حالة التردي والخلل، إلى «الاختبارات المركزية»، التي اعتمدتها وزارة التعليم لهذا العام الدراسي في بعض المراحل والمواد، بهدف «تجويد» العملية التعليمية، وكلفت إدارات التعليم «أميز» المعلمين، «وأفضل» المشرفين بإعدادها، ليظهر بعضها «كفضيحةٍ» مدوية، على مستوى الإعداد والأسلوب والصياغة، بل وحتى على مستوى «النحو والإملاء»، وكأن لسان حالها يقول: أيهما أولى بالتجويد والتقويم؛ الطلاب أم وزارة التعليم؟! ختاماً؛ في ظل تعليم الحشو والتلقين؛ سيبقى المجد للببغاوات والحافظين، والإحباط للمفكرين والمبدعين..!