يحتضن معهد العالم العربي بباريس بمناسبة الذكرى الـ25 لتأسيسه معرضا تشكيليا غير مسبوق بعنوان "25عاما من الإبداع العربي المعاصر"، ويستمر حتى3 فبراير/شباط المقبل، بمشاركة 40 فنانا تشكيليا عربيا جاؤوا منالأقطار العربية أو من البلدان الغربية التي يعيشون فيها. وكشفت عشرات اللوحات المعروضة عن أصالة متجذرة في الذاكرة الجمعية حتى لدى هؤلاء الفنانين الذين ولدوا وعاشوا في البلدان الغربية، كما عكست معاصرة ضاربة كانت ثمرة تلاقح وانفتاح لافتين على الصعيدين الجمالي والفكري. لوحة الفنانة كريمة الشوملي "معنى البرقع" (الجزيرة) الهوية الثقافية ولا يمثلالمعرض مجرد استعادة لأعمال قديمة كما ظن بعض الحاضرين الذين التقتهم "الجزيرة نت"، بل كشف عن أعمال حديثة وتوازن فني وفكري لافت، ولوحات عكست غيرة على الهوية الاجتماعية والثقافية والدينية قدمت برمزية جمالية مدروسة سواء في الأجنحة الثلاثة للطابقين السفليين أو "الموبيل أر" الخارجي. وبدا ذلك التوجه جليا في لوحات التشكيلية أروى أبو عون التي توقف عندها الجمهور الفرنسي والعربي على السواء مطولا، كما لدى الفنان جعفر إصلاح صاحب لوحة الحوار والدعوة إلى قواعد السلوك النبيل في مجتمع عربي متأرجح بين التقاليد الدينية المتزمتة والانفتاح الضروري على العصر كما يراه (الحوار أو اللاحوار) وكذلك الرسامة كريمة الشوملي التي أبدعت في صياغة البرقع فنيا، كاشفة عن معناه غير المخيف بالضرورة، كما في تصور الكثير من الغربيين. وجسد عادل السيوي مكرم الفلاحة المصرية الشجاعة في لوحة امتزج فيها التجريد والتشخيص والانطباع (البطولة اليومية للمرأة في الريف المصري)، ومجدت ريم الفيصل آيات الخلق الإلهي في الطبيعة وفي الإنسان (التصوير الضوئي سبيل من سبل تسبيح الله في الكون). ورسم الفنان أحمد ماطرلوحة تجسد الانجذاب المغناطيسي نحو الكعبة بشكل فني لافت. ويرى الناقد المصري إيهاب اللبانأن اللوحات المعروضة "تعد مرآة فنية تعكس تنوعا غنيا ومتوازنا وتوجهات ثقافية وحضارية تكشف عن الهويات الأصلية لأصحابها من ناحية، وعن تفاعلهم الجمالي مع المجتمعات الغربية التي عاشوا ويعيشون فيها دائما بوعي فكري ودون انسلاخ آلي من ناحية ثانية". كما يشير اللبانإلى أنالمعرض يمنحفرصة لجمهوره سواء العربي والأجنبي لاكتشاف عصارة حوار ثقافي مثالي بين الشرق والغرب. لوحة الفنانة مها ملوح عن "الإرهابي العربي في المطارات الأميركية" (الجزيرة) هم سياسي وكما كان متوقعا، حضر الهم السياسي العربي والعالمي في علاقته بالراهن المأساوي لكن ليس بمباشرة فجة بل بمقاربات تشكيلية متنوعة. ومثل هذا المنحى عمار بوراس في لوحته التي وظف فيها فن الزخرفة وجسد جزائر العشرية السوداء والإرهاب المتبادلودوريس بيطار صاحبة اللوحة التي دمجت بين الزخرفة الإسلامية والعلم الأميركي، في إشارة إلى الإسلام المجهول والمعتم عليه في الغرب (الحادي عشر من سبتمبر). ورسمت الفنانةصفاء الرواس الوحدة العربية الضائعة على القطن (أعلام الدول العربية)، وجسد الفنان ماحي بنين الرجل الواقع في حبال التعذيب (المقيد بالحبال)، أما الرسامة البحرينية وحيدة مال اللهفقد عالجت الأوضاع السياسية السائدة في بلدها. واستوقف الفنان محمود العبيدي الكثير من زوار المعرض بتركيب فيديو ذكي وشفاف عن صورة العربي المطارد في المطارات الأميركية باعتباره إرهابيا حتى إشعار جديد (العربي في المطارت الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر). ولم تكن مضامين الأعمال الفنية هي وحدها المثيرة، بل زاد التنوع الفني والأساليب الثرية والوسائط والأدوات المستعملة من قيمة المعرض، بالنظر إلى كيفيةتوظيفها من فنان تشكيلي لآخر، وهو ماعكس أصالة ومعاصرةووعيا فكريا وفنيا ناضجا في وقت واحد. وقد بدت الأشكال والأدوات المستعملة علامات إبداعية استنطق أصحابها القطن والخشب والمطاط والفيديو والصورة التقليدية والرقمية والضوء والفولاذ والحبال والبلاستيك والقماش والألوان الزيتية والكولاج والورق والخط والزخرفة والأكريليك، وما إلى ذلك من وسائط وتقنيات ضمنت عرسا بصريا مبهجا يمتع الشرقي والغربي على السواء. الفرنسيون الذين تعودوا زيارة معارض معهد العالم العربي أجمعوا للجزيرة نت علىأن تنظيم المعرض بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه فرصة غير مسبوقة لاكتشاف الفنون العربية والإسلامية.