من أجمل مراحل الحياة تلك التي قضيناها نتنقّل بين صفوف المدارس، بدءاً من رياض الأطفال وحتى كنّا حديث البلاد كلّها في مرحلة الثانويّة العامّة، إذ كانت الأسر كلها مجتمعة تستمع إلى الإذاعة في انتظار إعلان نتيجة مرحلة مهمّة من مراحل النجاح والنضوج للأبناء. في كل مرحلة من المراحل المدرسية، كانت المسابقات أحد أبواب التحدّي الذي نتسابق للمشاركة أو التشجيع له، وما زلت أذكر مشاركتنا في مسابقات الخطابة، وحفظ القرآن، والرياضة، والموسيقى، والشعر والإلقاء، والمعلومات العامّة، كانت مسابقات رائعة بكل ما فيها من جُهد، أمّا الانتظار فكان على نار، حتّى نعرف كيف أبلينا. ودارت الأيام لأشهد نسخة جديدة من تلك المسابقات بين عدد من مدارس العاصمة، مسابقة أطلق عليها اسم أولمبياد العلوم، والحقّ يقال لم أكن هناك لحضور هذه الفعالية المدرسية، بل كنت في إحدى القاعات منسّقة لدورة تدريبية لإحدى أطروحات العلم الإداري. بدأت المدارس تتوافد على المكان الذي كان مسرحه في أحد الفنادق. الكلّ علم بوجود الفعالية بسبب الصوت الذي تخطّى حدود المسابقة والتّفاعل مع الأحداث، ليصبح ضجيجاً وانعداماً لأخلاق التعلّم الحقيقية. وعلى الرّغم من أنّ القاعة كانت عازلة للصوت، فإن صخب الطلاب والمعلّمين والموسيقى، ألغى كل خصوصيّة. لاحظت أن الأجيال الجديدة من المتعلّمين لديهم التّحفّز والاستعداد لمثل هذه المسابقات، ولكن كان هناك شحن غير طبيعي لمشاعرهم لاتجاهات سلبية وعدوانية غير مسبّبة وغير منطقيّة، وكأن المسابقة هي من تحكم على الطالب بتميّزه لا حضوره بشجاعة ورغبته الصادقة في التباري من أجل خلق روح من التّحفيز الإيجابي، والتسلية الخلّاقة. تحوّل الحفل الذي بدأ بالمصافحة، لحلبة يديرها الاستهجان، والتظلّم، وقهر الأبناء، وتعليق الإخفاق على المنظّمين، وكأننا لسنا نحضر احتفاليّة من أجل التعلّم بل لشيء آخر. لاحظت خروج أحد الأبناء وأحدقت عيناه بالغيظ والحنق، وآخر يحاول تهدئته، والطالب اغرورقت عيناه بالدمع، وغص حلقه بالكلمات، والموقف لا يحتمل سوى تفسير واحد، أن هناك من أخفق في جعل هذا الابن متعلّماً، ليجعله منفعلاً بأحداث لا تمسّ اجتهاده، بل مندفعاً ليبرّر إخفاقاً واحداً له خلال رحلته مع الأسئلة والتصفيات. كل يوم تتكشّف لنا الحقائق عن منظومتنا التعليمية، بأن هناك خللاً غير طبيعي يتربّص بأساس العملية التعليمية التعلّمية، ألا وهُم الأبناء. التعليم منظومة متكاملة، تهدف الدولة من خلالها إلى إعداد شعب طيّب الأعراق، والوطن يضع على عاتق التعليم مسؤولية بناء الأجيال، عماد المستقبل، فالتّعليم يقوم على أساس تفاعل مدارسه ومناهجه ومعلّميه، ليقدّم للمتعلّم طريقاً جميلاً مليئاً بالتّحدّي البنّاء، ذلك الطّريق الذي يُسهّل على الأبناء عبوره باستعداد واشتياق وتلهّف، والوصول لحدائق المعرفة وجنان العلم بأقل وقت. هم استثمارنا الحقيقي الذي لم تبخل دولتنا أبداً في تيسير كل شيء من أجل الارتقاء به. أبناؤنا أمانة نحمل تبعات بناء قدراتهم وسنُساءل عن مستوى علمهم في المستقبل القريب، حين يتدفقون إلى سوق العمل ليجدوا أن ما تعلّموه، جفّت منابعه برتابة التلقين وأسلوب التدريس وفصلهم عن الواقع الحقيقي لكيف سيكون سوق العمل على أيامهم وما هي متطلّباته. يستحقّ الوطن أن نخلق له كل جميل، وتأهيل الأبناء وتحصينهم بالعلم واللغة التّعلّميّة، هو أفضل طرق الاستدامة للحفاظ على مقام الوطن، حاضره ومستقبله. كافية الكعبي Share.Care@hotmail.com