واجهت الهند أحد أسوأ المواقف المحرجة دبلوماسيًا بعد أن رفض رؤساء البعثات الدبلوماسية لـ42 دولة أفريقية في العاصمة دلهي حضور احتفال يوم أفريقيا، الذي استضافته الهند، وذلك احتجاجًا على الاعتداءات العنصرية التي لا تنقطع ضد مواطنيهم في الهند. وقد هددت مجموعة رؤساء بعثات الدول الأفريقية في دلهي بمقاطعة الاحتفالية التي نظمها المجلس الهندي للعلاقات الثقافية (آي سي سي آر) للتأكيد على العلاقات الطيبة مع أفريقيا التي استحدثت عقب قمة منتدى الهند أفريقيا في نيودلهي والتي استضاف فيها رئيس الوزراء ناريندرا مودي كوكبة من رؤساء الدول الأفريقية، الأمر الذي هدد العلاقات الطيبة الهندية الأفريقية الآخذة في التنامي على مر السنين. ويرجع السبب وراء الاحتجاج إلى مقتل الأفريقي ماسوندا كيتادا أوليفر، وهو طالب دراسات عليا من أصول كونغولية تعرض مؤخرًا للضرب بوحشية حتى الموت في دلهي، قبل دقائق قليلة من يوم ميلاده. ولقد قُتل أوليفر عقب شجار نشب بينه وبين ثلاثة سكان على استئجار سيارة أجرة هندية صغيرة، إذ قام اثنان من المهاجمين بتثبيته أرضًا، بينما شرع الثالث في ضربه بحجر. ومن جانبها، قالت الجماعة الأفريقية في بيان لها إن الجالية الأفريقية في «حالة حداد على ذكرى الطلاب الأفارقة الذين قتلوا في السنوات القليلة الماضية، بما فيهم أوليفر»، ومن ثم لن تحضر الاحتفالات. وبالمثل، قال المبعوثون الأفارقة إنه «لم يعد لديهم خيار» سوى توصية دولهم بالتوقف عن إرسال طلاب جدد إلى الهند بسبب «الأفكار المغلوطة الشائعة والتحيز العنصري» ضد الأفارقة في الهند. وتجدر الإشارة إلى أن، عدد الطلاب الأفارقة بالهند يتجاوز 30.000 طالب. ومع ذلك، تمكنت الهند من إقناع رؤساء البعثات الأفريقية من حضور احتفالية يوم أفريقيا بعد إسراع وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي الدكتور كيه سينغ إلى احتواء الموقف دبلوماسيًا في اللحظة الأخيرة، مجنبًا الهند احتمالية فقدان ماء الوجه دبلوماسيًا. ومن جهته، قال السفير الإريتري أ. ت. ولد مريم، عميد جماعة رؤساء بعثات الدول الأفريقية، في بيان له إن قرار حضور مراسم افتتاحية الحفل الذي نظمه المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، إضافة إلى اجتماع المائدة المستديرة، جاء بعد ما بدر من الحكومة الهندية من «مظاهر الدفء والإيجابية» فضلاً عن «الإدانة القوية والعلنية لمقتل أوليفر». وعلى الرغم من ذلك، اعتلت رؤساء البعثات الأفريقية نظرة حزن، وليس من المستغرب أن أثار جميع السفراء دون استثناء قضية حوادث التمييز المتكررة ضد الطلاب الأفارقة في جميع أنحاء الهند في اجتماع المائدة المستديرة. وصدرت أشد التعليقات حدة من جانب القائم بأعمال المفوض السامي النيجيري سولا إنيكانولاي، الذي قال: «ستبقى أفكار كالشراكة والأخوة والصداقة والتضامن مجرد كلمات جوفاء، طالما أن الأفارقة بوجه عام لا يشعرون بالأمان في شوارع وجامعات الهند». بينما أتت الكلمة الأكثر عاطفية من «بنين ياللي» المفوض السامي الغاني في الهند، الذي أهدى قصيدة تخليدًا لأوليفر قال فيها: فلتسمعي صرختي يا أفريقيا من حيث أقبع في قفص بارد مجهول متجمد بثلج الألم وملطخ بدماء أفريقية حارة، تجمدت فجأة فليخبروني إذن.. بماذا أذنبت؟ ولم يمكن أن يأتي ذلك الاستهجان العلني من الدول الأفريقية في توقيت أسوأ من ذلك، إذ يستعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحكومته بزيارة أفريقيا في الأسابيع المقبلة كجزء من خطته لتوسيع التعاقدات مع بلدان القارة. وجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مواطن أفريقي للهجوم في الهند. ففي فبراير (شباط) الماضي، جُردت فتاة تنزانية تبلغ من العمر 21 عامًا من ملابسها وتعرضت للضرب على يد غوغاء في بنغالور، بعد أن دهس رجل سوداني شخصا من أبناء البلاد. وقبل ذلك ببضعة أشهر، تعرض ثلاثة رجال أفارقة للضرب على يد غوغاء في نيودلهي بعد أن أبدوا اعتراضهم على قيام سكان محليين بالتقاط صور لهم. وفي يناير (كانون الثاني) 2015. اقتحم وزير بحكومة دلهي حيا مجاورا له مأهولا بالسكان الأفارقة بدعوى أنهم يتاجرون بالمخدرات ويديرون شبكة دعارة. ومن ثم، صار مقتل أوليفر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. المصالح الهندية الأفريقية على الرغم من ازدهار التجارة بين الهند والدول الأفريقية في السنوات الأخيرة، فلا يزال الكثير مما ينبغي القيام به. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت نيودلهي مضاعفة الدعم الذي تقدمه الهند للدول الأفريقية، ليصل إلى 10 مليارات دولار على شكل قروض ميسرة خلال الخمس سنوات المقبلة. كما عرضت الهند 600 مليون دولار في شكل منح مساعدة للدول الأفريقية لتركيز الإنفاق على مجالات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا. وعلى الرغم من أن قدرا كبيرا من هذا الإنفاق يتم مع الأخذ في الاعتبار النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، فإن اللافت للنظر أن الكثير من القادة والمسؤولين الأفارقة درسوا في الجامعات الهندية ثم عادوا إلى بلادهم. وعلى النقيض من الصين، فالهند تشارك على نطاق في جهود حفظ السلام في أفريقيا على مدى العقود الستة الماضية. وفي الوقت الراهن، تشارك الهند بما يزيد على 7000 جندي من قوات حفظ السلام في أفريقيا، بما في ذلك وحدة قوية من 5000 جندي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن نشر أول وحدة شرطة نسائية للهند في ليبيريا حاليًا. ومن جهتها قالت مانيش تشيبير، أحد كبار المحللين إن: «الهند وأفريقيا تربطهما علاقات تاريخية، ولكن فيما يبدو أن الهجمات التي يتعرض لها الأفارقة ستمحو حسن النية التي بُنيت على مر السنين. وعلى المؤسسات الهندية أن تتنبه سريعًا إلى ذلك الضرر الكامن. ففي حين أن الضرر الحالي يتمثل في نبذ الطلاب الأفارقة للهند، قد يتخذ الضرر بعيد المدى شكل تصدعات عميقة في الترابط ما بين الهند والدول الأفريقية». ومن الناحية الأخرى، تحدث الكثير من الأفارقة الدبلوماسيين في نيودلهي عن تعرضهم لـ«الأفرو - فوبيا» (الرهاب الأفريقي)، ويؤكدون أنهم وقعوا ضحايا للتحيز العنصري. إذ قال سفير مالي في الهند نياكورو ساماكي إن: «في بعض الأحيان، يترك البعض مقاعدهم فور جلوس أفريقي بجوارهم في المترو. وفي البلدان الأخرى، تُعتبر مثل تلك الحوادث إهانة عنصرية بالغة». وأضاف أن الدبلوماسيين الأفارقة وأسرهم غالبًا ما يجدون صعوبة في استئجار سيارة أجرة أو عربة صغيرة. وأيضًا يقول الدبلوماسيون إن الاختلاف الثقافي لا يُؤخذ في الاعتبار أثناء احتكاكهم بالبيروقراطية الهندية. وخلال قمة منتدى الهند أفريقيا 2015، أصبح رئيس دولة أفريقية محلا للسخرية بين قطاعات معينة بعد أن طلب كوبًا من حليب الناقة. وأيضًا خلال قمة منتدى الهند أفريقيا، أثارت السيدة الأولى في السنغال أزمة دبلوماسية كبيرة بوصولها إلى المطار في ثياب تقليدية زاهية الألوان، وطُلب منها الخضوع لتفتيش أمني في المطار، ما اعتبرته إهانة بالغة، قبل أن تتم معاملتها في نهاية المطاف كزوجة رئيس دولة بعد مشادة قصيرة. ويقول الدبلوماسيون إن مثل تلك المواقف يمكن تجنبها إذا ما حظيت الثقافة الأفريقية بمزيد من التقدير. وطالبت الدول الأفريقية بخطوات ملموسة ضد «العنصرية والأفروفوبيا»، المدفوعة بالغضب حيال مقتل الطالب الكنغولي، كما طالبت بتأجيل الاحتفالات بيوم أفريقيا في الهند، قبل أن تؤكد لهم الحكومة يوم الأربعاء على سلامتهم وأمن مواطنيهم. وفي العام الماضي، نشر موقع أنباء هندي فيديو حزينا يتضمن شهادة طلبة وأساتذة أفارقة حول ما يعانونه من تمييز بشكل يومي.