منذ تأسيس الجماعة الإسلامية في تونس سنة 1972، وتحويلها إلى حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981، ثم حركة النهضة سنة 1989، اعتمدت حركة النهضة الإسلامية في تونس خلال مؤتمرها العاشر، قرار الفصل بين نشاطاتها الدينية، والسياسية، ونقل النهضة إلى مسار حزب مدني رتّب أدبياته السياسية على هذا الأساس، والفصل بشكل نهائي بين ما هو سياسي، وما يتصل بالدعوة، والفكرة الدينية ؛ بهدف التأقلم مع التطورات الجارية في تونس. لا يمكن محاكمة النوايا؛ ولكن ما أقدم عليه حزب النهضة يطرح عدة أسئلة جوهرية؛ فكلام راشد الغنوشي -زعيم الحركة- عن «الخروج من الإسلام السياسي»، يثير شكوك العديد من الأطراف في تونس، والسؤال المطروح: لماذا هذا التحول؟، وهل يمكن فعلياً حدوث الفصل بين حزب النهضة، والحزب العالمي للإخوان؟، وهل سيتمكن الحزب من تجريد الحركة من هويتها الإسلامية، ومن طبيعة تنظيمها الذي يرتهن إلى سطوة عقائدية؟، أم أننا سنكون أمام تكتيك سياسي جديد، بالنظر إلى تاريخ الحركة المتلوّن بتلوّن الظروف السياسيّة، والأوضاع الإقليميّة؟. الأبعاد الإستراتيجية، والضرورات التاريخيّة، والسياسيّة، تؤكد على أن إشكالية التحول، تدخل في إطار المراجعات التي تطرحها الحركة على نفسها؛ بهدف إعادة التموقع السياسي في ظل التحولات التي عرفتها الساحة السياسية، وتغير الأوضاع الإقليمية، والعالمية، والخشية من تفكيك الدولة الوطنية، وتحول الحكم في البلاد إلى حاضنة للإرهاب، أو أداة في يد الإسلام السياسي، وإن كانت القراءة بحاجة إلى التعمّق في الخيار المطروح، وتقليبه على زوايا مختلفة، لا تحليلا، وتدقيقا، بل وبحثا عن الآليات، والوسائل، والنصوص المعينة في هذا الاتجاه. على أي حال، هناك طرح واسع من النخب السياسية، والإعلامية في تونس إلى مراجعة مواقفها إزاء النهضة، والقبول بها كطرف فاعل في المشهد السياسي في تونس، ومنحها المزيد من الوقت ؛ لإثبات مدى صدقيتها في فصل الدعوي عن السياسي، ومدى نجاحها في إقناع اتجاهات الرأي العام، -إضافة- إلى سعيها التدريجي نحو تطوير المفاهيم التقليدية، والعمل على إنهاء وضعية الخلط، والتخصص بين المفاهيم الدينية، والسياسية.