تعقد مؤتمرات ومنتديات حول اللغة العربية، ولابد أن أمامها الكثير والكثير من العمل إذا ما قرأ المرء الصحافة العربية وإذا ما استمع إلى مذيعات ومذيعي العرب في الفضائيات، وإذا ما غشته «غمة» من «عجاج» رياح صحاري العرب ومفاوزهم وجبالهم و«أغبرتهم» الكثيفة في سماوات الستلايت العلا وفضائياتها و(فضاوتها أيضا)، ومفردات ببغائية تخرج من حناجر المفوهين الجهلة في منتديات التفاخر. وحتى نعرف كم هو ليل العربية طويل وشاق وموحش ومؤلم، لنأخذ «عينة قاتلة» من الغثاء. في التلفزيونات الحكومية العربية المجيدة لا ينفك المذيعون ومديروهم (المجيدون ايضا)، يهدرون بـ «نسورنا البواسل» وهم يقصدون -بلا شك ولا ريب- الطيارين العرب البواسل. ويردد كثير من العرب خلفهم: «نسورنا البواسل». والمؤسف أن «البواسل» أنفسهم وقادتهم البواسل، «يتونسون» حبارى، ولا يعترضون. ولو علم البواسل أن النسور، ليست هي الطيور الشجاعة السريعة القوية الانقضاض التي يتخيلونها، وإنما هي الطيور الغبية البليدة المتطفلة التي تعيش على الجيف والقمائم، ربما لأضرب البواسل عن قيادة الطائرات حتى يغير المذيعون العرب ما التصق بحناجرهم من أدران حكاية «النسور» ونفاياتها. وكنت منذ مدة أشعر بأن هناك خطأ ما خطيرا، لأن الكتب تعلمنا أن النسور طيور طفيلية، وتعتاش على الجيف، فيما التلفزيونات العربية تلقب الطيارين العرب الميامين بـ «النسور»، لكن حينما بحثت وجدت أن هذا خطأ شنيع، والسبب هو- بلا ريب- جهل مترجم عربي في النصف الأول من القرن الماضي، بحكم أن الطائرات اختراع غربي ولابد من ترجمة شعاراتها ومفاخرها. الحقيقة أن النسر هو: «Vulture» أي طيور الجيف، ولكن يبدو أن البداية كانت من مترجم عربي بليد وقصير النظر، ترجم كلمة عقاب «Eagle» إلى «نسر»، فعم «تمجيد» النسور في وسائل الإعلام العربية ولاحقا، التلفزيونات العربية وحناجر مذيعيها وخطابيي الاستعراضات العسكرية الجوية العربية، على مدى أكثر من نصف قرن حتى هذه الأيام. والأدهى أن حكومات عربية عديدة اتخذت من «النسر» شعارا رسميا كناية عن القوة والهيبة. وتردد: «يحيى النسر» و«المجد للنسور»...إلخ. ولو علمت الأمة الانجليزية، بهذا الخطأ وكيف تحولت طيور الجيف إلى رمز للشموخ العربي، لضحكت علينا، ولضحكت من جهلنا الأمم، كما تنبأ المتنبي، رحمه الله. سبعون عاما ولم يجرؤ أي مترجم عربي على تصحيح الخطأ، والأمة تهدر بتمجيد «النسور». حسنا في الخمسينيات والستينيات والسبيعينيات كانت الأنظمة العربية ديكتاتورية، ولا يجرؤ أي متفتح على تصحيح أي خطأ، ولكن قبيل الالفية الثالثة، وفي بدايات التفتح والحريات، لم يصحح الخطأ، ما يعني أنه قد تحول بقوة اتحاد الجهل، والتقادم إلى تقليد يتجذر مثل كثير من الأخطاء التي تحولت إلى مفاخر. ٭ وتر يا لهذا الليل الطويل.. تأوهات حزانى وأنين جرحى.. وبطون غضة يمزقها ألم الخواء.. وسهد ثكالى.. ودموع لاجئين السياط تسلمهم للسياط، والعتمة تسلمهم للعتمة. وصباح مخاتل، يعاصي الأمل ويحجم عن السفور..