في وقت تضجّ فيه أخبار البحث عن بدائل اقتصادية للنفط الرخيص في بعض أكبر الدول المنتجة له، يحقق الاقتصاد الروسي الآن في هذا المجال قفزات مهمة وبصمت شديد، وبعد التراجع الكبير والمفاجئ في أسعار النفط الخام، عثرت بعض القطاعات الصناعية الروسية على أساليب أخرى للانتعاش وتحسين العوائد الاقتصادية، وتتضمن تلك القطاعات الزراعة وإنتاج المواد الكيميائية والصناعات الغذائية والسياحة المحلية. وروسيا، التي اشتهرت باقتصادها المتأرجح بين صعود وسقوط، بدأت تشهد نقطة تحولها المثيرة للانتباه، ودليل ذلك أن الانكماش المسجّل في الربع الأول من العام الجاري (2016) هبط إلى ما دون التوقعات التي تنبأ بها الخبراء، وبما ينبئ بأن أطول فترة ركود خلال عقدين من الزمان يمكن أن تنتهي خلال الربع السنوي المقبل. وانخفض معدل التراجع في الناتج المحلي الإجمالي في الفترة المذكورة بنحو 1.2 بالمئة، ليسجل الناتج أدنى انخفاض له منذ بداية أزمة الركود في أوائل عام 2015. ومعظم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها روسيا كانت نتيجة للمواجهة مع الغرب بسبب الأزمة الأوكرانية والاضطراب الذي شهدته أسواق الطاقة العالمية، ويبدو أن هذا الوضع أشرف الآن على نهايته مع صدور قرار من البنك المركزي بالحفاظ على ما تبقى من الاحتياطي النقدي بالعملات الصعبة بعد تدهور أسعار النفط، وكان الروبل قد خسر 44 بالمئة من قيمته السوقية بالنسبة للدولار عام 2014 و20 بالمئة عام 2015 ولكنه استعاد ما يزيد على 13 بالمئة من خسائره خلال الأشهر المنقضية من العام الجاري حيث تم تبادله بقيمة 65.27 روبل للدولار الواحد هذا الأسبوع. وبعد أن سجل التضخم معدلات مرتفعة بسبب انخفاض قيمة الروبل، ومع عودة أسعاره إلى الاستقرار النسبي، بلغ معدل التضخم خلال الشهرين الماضيين 7.3 بالمئة بالمقارنة مع أعلى ارتفاع بلغه في شهر مارس 2015 حين وصل إلى 16.9 بالمئة، وبما هيأ للبنك المركزي فرصة تخفيضه إلى المعدل المستهدف البالغ 4 بالمئة خلال عام 2017. وحتى نأخذ فكرة عن هذه المؤشرات المهمة في أداء الاقتصاد الروسي غير النفطي، دعنا نلقِ نظرة على القطاعات الإنتاجية المحلية وعلى رأسها قطاع الزراعة الذي سجل العام الماضي ارتفاعاً في مشاركته بالناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4 بالمئة، وهي أعلى مشاركة له منذ عام 2003. وخلال العام الماضي، سجل قطاع تكنولوجيا المعلومات ارتفاعاً كبيراً في العوائد بلغ 28 بالمئة عما كانت عليه في عام 2014، وارتفعت عوائد صناعة المواد الصيدلانية بنسبة 8 بالمئة والمواد الكيميائية بنسبة 4.4 بالمئة. وعلى الرغم من هذه التطورات المشجعة، لا يزال قطاع النفط والغاز يمثل عصب الاقتصاد الروسي، ولا يمكن لأية مكاسب في القطاعات غير النفطية أن تتصف بعنصر الاستدامة ما لم يتم اتخاذ التدابير التي تفتح المزيد من الأبواب المغلقة أمام الاستثمار، وحول هذه النقطة، يقول «إيفسي جورفيتش» رئيس «مجموعة الخبراء الاقتصاديين» التي يوجد مقرها في موسكو: «استفادت بعض الصناعات من انخفاض قيمة العملة المحلية، إلا أن هذا المكسب مؤقت ويحدث لمرة واحدة. وهناك تحوّل مؤكد نحو الأفضل، إلا أن عملية الإصلاح لم تنطلق بعد. والشيء الذي نحتاجه هو الاستثمار والإصلاح واستعادة ثقة المستثمرين». والآن، يبلغ حساب عائدات النفط والغاز نحو ثلث الميزانية العامة بالمقارنة مع 23 بالمئة بين عامي 1996 و1999، ونحو 50 بالمئة بين عامي 2011 و2014 وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة «مورجان ستانلي». وبما أن ما يزيد على ربع الناتج المحلي الإجمالي الروسي جاء من صناعة الطاقة خلال العام الماضي، فهذا يعني أن درجة مساهمة هذا القطاع تزيد بأكثر من خمس مرات عن مساهمة القطاع الزراعي. وربما يكمن العائق الأكثر أهمية في بيئة العمل السائدة في روسيا. وعلى الرغم مما تلقاه هذه الحالة من انتقادات، فإن هناك تقدماً إيجابياً يسجل في هذا المجال. ودليل ذلك أن مرتبة روسيا في مؤشر البنك الدولي لأكثر دول العالم تسهيلاً لأداء الأعمال، ارتفعت 60 نقطة منذ عام 2013 حتى بلغت هذا العام المرتبة 51. * محللة اقتصادية روسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»