هو نقاش لا يهدأ ولا ينتهي، وربما نستمر طويلاً في شراك هذه الجدلية، الصحافة من جهة ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، وكأنه خُلق لهاتين الوسيلتين أن تبقيا في خطين متوازيين لا تلتقيان أبدًا، أو كُتب عليهما أن تظلا في حالة خصام شديد، فهناك رغبة عارمة لصنع حواجز غير مبررة بين وسائط متباينة، خاصة في ظل العداء الطبيعي لكل ما هو قديم، والانتصار لكل ما هو جديد، وكذلك بسبب فكرة الشغف التي تتميز بها وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تملكه بالمقابل وسائل الإعلام بشكلها السابق، وهو ما يضع المتلقي أمام مشهد مختلف تمامًا، الرابح في سباقه من يطوع الوسيلة لبلوغ الغاية بدلاً من تقديس الأولى فيخسر الثانية. في هذا السياق نفسه شاركت مؤخرًا في الندوة الرقمية الأولى من برنامج نقاش ـ تاغ الحواري على منصة تويتر، الذي تنظمه قناة سكاي نيوز العربية بشراكة مع تويتر الشرق الأوسط، وناقشت أولى جلساتها مستقبل الإعلام في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها البحث في انعكاسها على المفاهيم المرتبطة بالإعلام التقليدي، ويمكن القول إنني سأبقى دائمًا متحفظا على العبارة الأخيرة بشكل مطلق، وأعني مصطلح الإعلام التقليدي، فأين هي الصحيفة أو التلفزيون أو الإذاعة التي ليس لديها موقع إلكتروني أو حسابات تواصل اجتماعي أو قناة على اليوتيوب؟ وطالما أنها دلفت إلى هذه الوسائل بنجاح، فذلك يعني أنه من الخطأ وصفها بالتقليدية. المشكلة أن هناك من لا يزال يتعامل مع الصحف على أنها ورقية فقط، وهذه مرحلة أكل عليها الدهر وشرب، فأي وسيلة إعلام في العالم هي في حقيقتها محتوى متميز، تستخدم مجموعة من المنصات والوسائط، الصحيفة الورقية ليست إلا واحدة منها، لإيصال محتواها لجمهور تناسبه هذه الوسيلة، في حين أن ذات المحتوى، ومحتوى آخر يحدث بشكل مستمر، يصل لجمهور آخر يفضل الموقع الإلكتروني، وجمهور ثالث يتفاعل بشكل أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر ناقلة للمحتوى المتميز وليست صانعة له، وهكذا فإن الصحف غدت تصل للملايين من القراء، بعد أن كانت تصل لعشرات الألوف، وعندما كانت تعتمد فقط على النسخة الورقية، وأضحى الانتشار غير المسبوق الذي توفره التقنيات الحديثة والتي تتطور بشكل دائم، حلما لم يكن يخطر ببال وسائل الإعلام حتى في عز انتشارها، الذي في مقاييس اليوم يعتبر محدودًا جدًا، بالطبع نتحدث عن الصحف التي تستطيع أن تستفيد من الوسائط المتعددة وتسخرها لتحقق غايتها، أما تلك التي لا تزال تعمل بالأسلوب القديم وتظن أن النسخة الورقية وحدها قادرة على التنفس دون أن تتكيف مع التغيرات المهولة في عالم اليوم فهي تحكم على نفسها بالموت البطيء، وعلى نفس المعادلة فإن من يشاهد برامج القنوات الفضائية على يوتيوب في بعض الأحيان أكثر ممن يشاهدها على القناة نفسها، إلا أن ما يهمّ هنا هو أن المحتوى التلفزيوني شاهده بالفعل الجمهور المستهدف، بغض النظر عن الوسيلة. سواء ماتت الصحافة الورقية أو لم تمت، فإن مهنة الصحافة ستستمر إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، أي صحيفة يمكن أن تستعير القول السائر المنسوب لهارون الرشيد: أمطري حيث شئت، فإن خراجك سيأتيني، من يريد أن يقرأها ورقيًا له ذلك، ومن يرغب في تصفحها إلكترونيًا أيضًا له ذلك، وكذلك من أراد متابعتها عبر الأجهزة الذكية، أو حتى لو صحا يومًا على تقنية جديدة تجمع له كل صحف العالم في أداة صغيرة جدًا في جيبه تكبر وتصغر بحسب ما يريده، الأكيد له ذلك والصحيفة ستكون أكبر الرابحين. يمكن القول إن المهنة باقية، أما الوسيلة فلا جدال أنها متغيرة، وحدهم القادرون على تطويع التقنيات الحديثة لزيادة انتشار محتواهم سيبقون في حلبة السباق، ولن يتوقف تأثيرهم. عن الشرق الأوسط