هو اختراق سياسي، منعطف مجتمعي و كابوس أمني و دبلوماسي كاد أن يقع في النمسا.. فمرشح اليمين المتطرف نوربر هوفر فشل في أخر لحظة في الفوز بمنصب الرئاسة الذي حتى وان كان رمزيا كاد أن يجعل من النمسا أول بلد في الاتحاد الأوروبي يصل فيه اليمين المتطرف إلى أعلى المناصب السياسية..صحيح أن اليمين المتطرف استطاع اجتياح البرلمانات الأوروبية و إسماع صوته و التأثير على مكونات المشهد السياسي لدرجة دفعت باقي القوى السياسية الى تقليد لهجته و تغيير مقاربته ..لكن هذه هي المرة الأولى التي يقترب فيها هذا التيار السياسي من منصب الرئاسة.... صفارات الإنذار السياسية دوت في أكثر من عاصمة أوروبية ...في سباق مع الزمن وفي مشهد /هتشكوكي/ خسر اليمين المتطرف المعركة لكن حقق نجاحا سياسيا انه رسخ في الأذهان القناعة المخيفة ان إمكانية وصول حاملي الفكر المتطرف إلى أن الحكم أصبح إشكالية محتملة و ليست مستحيلة كما تروج لدلك بعض القوى السياسية... ولعل أحسن من لخص في جملة الأوضاع الأساسية في النمسا و انعكاساتها المُحتملة على باقي الدول الأوروبية احد الشخصيات القيادية في حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه مارين لوبين عندما قال إن الانتخابات النمساوية تؤشر إلى هزيمة حسابية التي تخفي انتصارا سياسيا ... وقد جاءت ردود الفعل الأوروبية لتعكس مدى الهلع الذي انتاب الطبقة و المؤسسات السياسية الأوروبية من هذه الاختراقات و مدى الأمل الذي تولد لدى باقي الأحزاب المتطرفة مثل الجبهة الوطنية في فرنسا و نظيراتها في باقي الدول الأوروبية ...البعض تنفس الصعداء لان النمساويين أغلقوا الطريق في أخر المطاف و خلافا لما تنبأ به مختلف معاهد استطلاعات الرأي ...و البعض الأخر رأى في هذه النتائج مؤشرا إيجابيا يجعل من تصور كان أمس من المستحيلات السياسية ظاهرة ممكنة ومحتملة من شأنها ان تعبد الطريق أمام وصوله إلى سدة الحكم . اليمين المتطرف يركب حاليا موجة سياسية و اجتماعية تساعده في نشر أفكاره و ترسيخ مقارباته السياسية داخل شرائح واسعة من المجتمع ...هذه الموجة مكونة من واجهتين الأولى تخص ظاهرة الهجرة القادمة من الشرق و الساحل الأفريقي و التي اجتاحت الحدود الأوروبية وطرحت تحديات أمنية و اقتصادية وجدت الدول الأوروبية صعوبة في معالجاتها و الواجهة الثانية تكمن في التهديدات الإرهابية التي تلقي بظلالها على العواصم الأوروبية بعد اعتداءات باريس و بروكسيل ... عجز الحكومات عن تقديم حلول فعالة لمحاولة هاتين الظاهرتين فتح المجال أمام فلسفة أحزاب اليمين المتطرف التي بنت مجدها السياسي على انتقاد السياسات المتبعة و توجيه أصابع الاتهام لها بعدم اتخاذ القرارات الحازمة لحماية التراب الأوروبي مما تصف بالخطر الأمني الاتي من الخارج عبر الهجرة و الإرهاب .ويبدو وفقا الاستطلاعات الرأي أن هذا الخطاب أصبح يجد أذانا صاغية قد تفتح الطريق لاختراقات انتخابية غير مسبوقة .