«إذا كان الصيام دعاك يوماً إلى هجراننا... فلم الصيام»... بهذا البيت اليتيم للشاعر السعودي الراحل محمد الثبيتي، بدأ ابنه نزار الحديث لـ«الحياة» عن رحيله منذ خمسة أعوام، بادئاً بهذا «البيت اليتيم» الذي ينشر لأول مرة، وكان بعث به إلى صديق معاتباً إياه بعد انقطاعه عن الاتصال والزيارة بعد دخول شهر رمضان. كان «سيد البيد» وحتى آخر رمضان عاشه مع عائلته الصغيرة في أحضان البلد الحرام، يقضي جل وقته منكباً على القراءة والاطلاع، إضافة إلى كتابة الشعر في مكتبه الذي وجد به راحة العقل بالقراءة، والجسد بالنوم إلى جوار «خير جليس في الزمان». ولأنـــــه عاش وحيداً بلا إخوة ووالدين، كان الثـــــبيتي شـــديد الحرص على تنــــاول الإفطار والجلوس برفقة عائلته على مائدة الإفطار طيلة أيام الشـــــهر الفضــــــيل حتى دخــــول وقت صــــلاة العشــــاء، ومن ثم العـــــودة إلى صــــومعته وعالمه الثقافي الخاص منكباً على القراءة لمدة تصل إلى 10 ساعات. ولا تخلو الجلسات العائلية لـ«سيد البيد» وعائلته من إلقاء بعض نصوصه الجديدة على مسامع العائلة، كما أوضح نجله نزار، الذي قال لـ«الحياة» إن والده كان في بعض الأحيان يلقي من تلقاء نفسه بعض النصوص الأدبية التي كتبها على مسامعهم، دون أن يطلب منهم أي شرح للقصائد والتي غالباً ما تكون واضحة المعاني والمفردات للعائلة، وأضاف : «في حال استصعاب فهمنا لما كان يرمي إليه الوالد -رحمه الله- كنا نطلب منه شرح القصيدة، إلا أنه وفي المقابل يلبي رغبتنا بطلب البحث عن معنى القصيدة من تلقاء أنفسنا». وبين هذا وذاك، كان الشاعر عبدالله الصخيان من أكثر الشعراء تردداً على محـــمد الثبيتي خصوصاً في شهر رمضان، إضافة إلى عدد من أصدقائه الذين داوموا على زيارته في الشهر الكريم حسبما ذكر ابنه نزار. ولشهر رمضان ذكر ضمن قصائد الثبيتي بنص «من وحي العاشر من رمضان» والتي كانت أفلاكها تدور حول سيناء والقضية الفلسطينية والمكتوبة في العام 1977، والتي حاز الثبيتي من خلالها على المركز الأول في مسابقة الشعر التي نظمتها رعاية الشباب السعودية. 52 عاماً منذ 1952 والتي أعلنت أولى صـــــرخات الوليد الذي رأى النــــــور في مدينة الطائف، وكان امتدادها على صفــــحات التاريخ أعمالاً أدبية حفرتها لغته الندية، وحـــــداثته البدوية التي مزجهـــــا في أعماله ابتداء بـ«عاشقـــــة الزمن الــــوردي» في العام 1982، «تهيجت حلماً... تهيجت وهماً» في 1984، وبعدها بعامين في التضـــــاريس، ليكون أخــــر صدى مسموع لحفيف قلمه على صــــدور الورق بقصــــيدة «بوابة الريح» التي مضى بها شـــراعه بما لا تشتهي ريحه، ليكون عام 2008 بمثـــــابة نقطة في أخر سطـــور حياة الراحل بعد معاناة مع المرض.