×
محافظة جازان

تكليف 8 موظفــين بإمــارة جــــازان

صورة الخبر

تعامل د. سيد عويس بموضوعية عالم الاجتماع مع سيرة حياته، التي جاءت في ثلاثة أجزاء، تمثل ثلاث مراحل عضوية متنامية: البذور، ماء الحياة، الثمار، هذه السيرة ترحل بنا في عالم من الكفاح في سبيل طلب العلم، وفي سبيل تطبيق هذا العلم على الموضوعات الثقافية الاجتماعية التي تخص مصر. تتجلى في تلك السيرة التي تحمل عنوان التاريخ الذي أحمله على ظهري بطولة الرجل وإصراره على تحقيق هدفه، في إنشاء الدعائم الراسخة لمهنة البحث العلمي الاجتماعي في مصر، وفي رصد ما يحدث في المجتمع ودراسته دراسة علمية موضوعية، من أجل تغييره إلى الأفضل، لقد جعل من نفسه نموذجاً لما يؤمن به، حتى يضرب المثل الحي لمن حوله، من أجل الاقتداء به في حياته، التي أضاء فيها كل شموع سنوات عمره، من أجل رفعة بلده ونهوضه، حتى يلحق بركب الحضارة الحديثة. تنتهي هذه السيرة بفصل أخير تردد د. سيد عويس في كتابته، فقد كانت هزيمة يونيو 1967 نكبة أصابت الجميع، هذا على نطاق فئات الشباب، أما أقرانه ممن يعملون في مواقع عمل شبيهة بما يعمل، فكما يقول: كانت تلك الهزيمة هزيمة لنا حقاً، لقد كان الشعور بالذنب، يهز كياننا النفسي هزا عنيفا، ولم يكن لنا بد إلا أن ننظر في أمر هذه الواقعة، ونقلب صفحاتها للتعرف الى عواملها. في نطاق المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، حيث كان د. سيد عويس يعمل، كان المناخ الثقافي والاجتماعي مهزوماً أيضا، كانت الإدارة لا ترى إلا ما هو تحت قدميها، بل كانت لا ترى سوى ذاتها ومصالحها الخاصة، وما دام لا يوجد على مكتب المدير المنتدب ورقة في حاجة إلى إمضاء فالعمل يسير على ما يرام، ذلك كان الشعور السائد، عدم وجود ورقة على المكتب يعني أن مهنة البحث العلمي الاجتماعي تسير في سبيل التوفيق والسداد. يقول د. سيد عويس: كنا نشعر بهذه البيروقراطية الهابطة والألم يحز في نفوسنا، وإذ أقول كنا أقصد العاملين العلميين بالمركز، وأنا منهم خاصة، ومع ذلك كانت إدارة المركز المنتدبة تحيا، وكأنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، وإذا تكلمت كانت تصدر عنها أوامر بيروقراطية هابطة، لا يخشاها إلا الهابطون أو المنافقون أو أصحاب المصالح، وكنت في هذا الخضم حائراً حقاً لا أدري ماذا أفعل. فكر د. سيد عويس في الكتابة وبدأ ذلك فعلا، ثم فكر في السفر إلى بلد عربي، ليعمل في إحدى جامعاته، وكانت جامعة الكويت هي الأقرب إلى خاطره، لأن الدكتور عثمان نجاتي، الذي كان يشرف على بحثه القتل، يزور المركز من حين إلى آخر وكان رئيسا لقسم علم النفس في كلية الآداب جامعة الكويت، فكتب إليه خلال عام 1968 لكي ييسر له الالتحاق بالجامعة، وفوجئ بالاعتذار، فالجامعة لديها من يكفيها في الوقت الحاضر. لم تمر سوى أيام حتى وصل خطاب إلى د. عويس من مدير الجامعة الدكتور عبد الفتاح إسماعيل بتاريخ 19 يونيو عام 1968، يقول فيه إن د. أحمد مصطفى أبو زيد قام بتزكيته للعمل في جامعة الكويت، والمثير أن د. أبو زيد كان منافساً للدكتور عويس في الحصول على جائزة الدولة التشجيعية عام 65 1966 التي فاز بها في النهاية د. عويس. يقول: لعل الدكتور أبا زيد قد زكاني لأنه اعترف لنفسه بأنني طالب علم جاد، أو لعله زكاني لأنه أصبح كما وصفه الدكتور مدير الجامعة في خطابه المرسل إلى أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالجامعة، أي أنه سيكون رئيساً عليّ، وأنا مرؤوس له، حيث إنني كنت في ذلك الحين على درجة خبير أول أي على درجة أستاذ مساعد جامعي. ولم يكن يعنيه ذلك كثيراً، فقد كان سعيداً بأنه سيلتقي الأساتذة زكي نجيب محمود وعبد الهادي أبو ريدة وتوفيق الطويل، فقد عرفهم من كتاباتهم، وعلى حد تعبيره: كنت شديد الرغبة في أن أقابلهم، لكي أتحدث معهم، وأسعد بما عندهم من تجارب أكاديمية، قد أكون في مسيس الحاجة إليها في حياتي العلمية، فأنا كباحث علمي اجتماعي أرى أنني في مسيس الحاجة إلى المعرفة الإنسانية أو أهم مصادرها، وهو الفن والدين والفلسفة والعلم العصري، ومعرفتي بهذه المصادر تيسر لي اتساع أفقي لكي أرى المجتمع الإنساني في أفقه العريض الواسع الشامل، ومن ثم يكون اختيار موضوعات بحوث دراساتي يرقى إلى هذا المستوى. كانت البداية غير مريحة، فقد هبطت الطائرة في مطار الكويت في منتصف الليل تقريباً، وعند خروجه من بابها صدمه هواء ساخن، حسب أنه يقف أمام فوهة فرن، وكانت الصدمة الثانية في لقاء مدير الجامعة، إذ كان الطريق إلى مكتبه داخل الحجرة الفسيحة طويلا بلا ضرورة، وكما يقول: لعله كان يستمد من طول الطريق مكانته الرفيعة، وقد مكثت أسير في هذا الطريق دقائق معدودة، حيث وجدته يجلس خلف مكتب كبير الضخامة، فكان يبدو لي أصغر من حجمه، وعندما قام لتحيتي بدأ يظهر حجمه الطبيعي الذي لم يكن ليلفت الأنظار. بعد لقاء مدير الجامعة الذي أخبره أن جامعة الكويت هي جامعة بحوث قبل أن تكون جامعة تدريس ذهب د. عويس إلى قسم الفلسفة والاجتماع، حيث قابل رئيسه د. أبو ريدة كما قابل د. توفيق الطويل ود. زكي نجيب محمود، وأخيراً قابل د. أحمد أبو زيد، واستمتع بنقاشاتهم قبل أن يظهر ما خلف الأكمة. على سبيل المثال فإن د. عبد الهادي أبو ريدة طبقا لرواية د. سيد عويس كان يخشى مدير الجامعة، وعلى حد قوله: كنت أنظر إلى ملامح وجهه وهو يتحدث إلى المدير، أو يتحدث المدير إليه هاتفياً، فأرى عجبا، كان يتحدث وكأنه يتهته أو أن حلقه جاف، لدرجة أنه كان لا يكاد يسمع صوت نفسه، وبعد المحادثة نراه وكأن جبلا قد زحزح عن كاهله، ثم يتمتم وكأنه يتحدث إلى نفسه: دا المدير دا ما بيونش وأوامره حامية خالص. في الاجتماع السنوي الذي يعقده مدير الجامعة كان المنظر غريبا: الأساتذة الأجلاء يجلسون تحت قدمي مدير الجامعة على حد تعبير د. عويس، وكان الدكتور أبو زيد قد كلفه بإعداد صفحة استبيان عن موضوع يتعلق بالشباب العاملين في أحد المصانع بالكويت، وكان غير مقتنع برأي د. عويس وهو أنه من الواجب الاتصال ببعض من هؤلاء الشباب، قبل إعداد صحيفة الاستبيان، وكان ذلك أثناء مرضه مرضاً شديداً، لدرجة أنه ندم على اتخاذه قرار السفر إلى الكويت، وبعد 16 يوما قرر العودة إلى مصر. لكن أبو زيد أبلغه بأن لائحة الجامعة تحتم عليه دفع ثمن تذكرة الطائرة ذهابا وإيابا ورد القرض الذي أخذه عند استلام العمل، وكان الدور الذي يحاول أن يؤديه هذا الرجل واضحا أنه دور مورد الأنفار الذي لا قلب له ينبض في كيان أطماعه إلا ما ييسر له تحقيق هذه الأطماع، إنها لديه الهدف والوسيلة جميعا هكذا يصف د. عويس د. أبو زيد حرفياً. قدم د. عويس استقالته بعد تعرضه لضغوط عديدة، وحاول كثيرون إقناعه بالعدول عنها حتى إن أبو ريدة قال له: إن الكويت بلد فيه كل ما يشتهي الإنسان، وأن التفاح تجده في الأسواق رخيص الثمن، وأي شيء تحتاجه تجده أمامك، لم يتحدث عن الكتب التي يمكن الاطلاع عليها أو شراؤها ولم يتحدث عن الصحبة التي سيفتقدها. بعد 80 يوما غادر د. سيد عويس الكويت عائدا إلى القاهرة في ديسمبر 1968، وكانت مصر تواجه مرحلة خطيرة في تاريخها، وتتردد في مسامعه مقولة أحمد لطفي السيد رداً على اللورد كرومر في مايو 1907 كان يقول: علمنا التاريخ وطبائع البشر، أنه لا شيء يجمع بين الناس إلا المنافع، فإذا تناقضت المنافع بين قلبين استحال عليهما أن يجتمعا.