هاشمية الموسوي شاعرة عمانية متميزة تأثرت في صغرها بالمتنبي للهروب من قسوة الواقع وأحزانه، كما تأثرت بمجموعة من الشعراء المعاصرين: محمود درويش، ونزار قباني، وفدوى طوقان، من أبرز دواوينها: (إليك أنت) و(للروح هوية) و(ثورة الزمرد) و(أوراق منهزمة) وفيها مكاشفة طامحة ذات حس أنثوي مرهف تعبر عن شواطئ البوح المنكسرة على خريطة المنفى، حاصلة على ماجستير في الإدارة التربوية من جامعة السلطان قابوس. فيما يلي حوار معها يطوف حول تجربتها الإبداعية: } ما الذي دفعك إلى كتابة الشعر؟ الذي دفعني إلى كتابة الشعر، أولاً، الموهبة الموجودة منذ الصغر، ثم الهواية، فأحلى أوقاتي عند كتابتي لأي نص شعري، حيث أشعر بمتعة غريبة وكأنني طائر أحلق في ملكوت الكون، فأتحايل على قوانين المجتمع، الشعر بالنسبة لي متنفس للحياة الراكدة، ومتنفس للأماني والطموحات التي لا نستطيع تحقيقها على أرض الواقع، وهو ملحمة الوجود التي تشكلت من أعصابنا، وأحزاننا، وليالينا، لا نجد مفراً منه. } بمن تأثرت في بداياتك، هل وضعت نصب عينيك أن تصبحي شاعرة ؟ حقيقة لم أتأثر بأي شاعر عماني، وأما عن الشعراء العرب، فقد كانت بدايتي مع المتنبي، ولاحقاً مع محمود درويش ونزار قباني وفدوى طوقان أيضاً، والمتعة الحقيقية مع محمود درويش طوفان الشعر، وفي بداياتي لم أضع نصب عيني أن أكون شاعرة مثلهم، بل اكتفيت بأن أكون معروفة على مستوى وطني، وأما الآن فالحال تغيرت في ظل العصر الذي نعيش فيه، وهو الذي جعلني أسعى لأكون شاعرة معروفة في ظل وسائل التواصل الاجتماعي الحالية. } أنت تمارسين الشعر والكتابة وتحديداً كتابة المقالات، أيهما أقرب إليك: الشاعرة أم الأديبة؟ الأديبة كمصطلح، هو الأقرب إلى نفسي، لأني أجمع بين شيئين ليسا بالأمر السهل، فأنا أستمتع كثيراً عند كتابتي لأي مقال وأجد نفسي فيه، وأبدع فيه، ولكن الشعر هو الحضن الدافئ في غربتي، أعشقه حد الثمالة، وأسافر عند كتابته فوق أمواج الخيال، في الحقيقة نحن نحتاج إلى الشعر في عصرنا البائس، ومن خلاله نبحث عن الذات والحرية المفقودة، بل الموءودة في زماننا هذا، زمن الغيوم المترسبة في حياتنا ويومنا ومستقبلنا. } كيف تقيمين الحركة الشعرية في السلطنة الآن، وتحديداً الشعر النسائي؟ أولاً أنا ضد مصطلح الشعر النسائي، لأن الشعر روح والروح موجودة في الاثنين معاً، أما بالنسبة للحركة الشعرية، فهناك أصوات نسائية كثيرة، تتوالد يومياً وبشكل كبير، في رأيي، ليس المهم الكم، بل الكيف، فالشاعرات كثيرات، ولكن السؤال: هل الموجود يستحق أن يطلق عليه لقب شاعر؟ لأن كلمة شاعر تحمل الكثير من المعاني الجميلة والمشاعر النبيلة والصادقة، إن القصيدة أو النص الشعري إذا لم يعشه المرء، ويذوب فيه ويمزجه مع روحه، لن يستطيع أن يأتي بنص أدبي متميز تقبله ذاته قبل القراء، والشاعر يجب أن يتسلح بأدوات الشعر المعروفة، وأغلب الشاعرات الموجودات لم يعشن تلك المعاناة التي يعيشها الشاعر عند كتابته أية قصيدة، فالشاعر يعطي القصيدة من وقته، من دمه، من ألمه، والكثيرات لا يدركن ذلك. } دواوينك الشعرية المذكورة آنفاً، هل هي سيرة ذاتية؟ أم مكاشفة أنثى طامحة، ذات حس أنثوي مرهف؟ أم صرخة مواطنة عمانية يشغلها الهم الوطني والقومي؟ كل إصدار له وضعيته الخاصة وطعمه الخاص به، فالأول (إليك أنت) يعتبر تجربة ما زالت تمشي في طريق الاحتراق الوطني، و(للروح هوية) أعتبره بداية هاشمية الموسوي الحقيقية، أما (ثورة الزمرد) فهو مكاشفة أنثى طامحة ذات حس أنثوي مرهف، تعبر عن شواطئ البوح المنكسر على خريطة المنفى، هو بالفعل ثورة أنثى رسمت جروحها وأحزانها، على ضلوع ممزقة، وهكذا تنفتح بوابة الألم على مصراعيها، لتكسوها أمواج من ذلك الضوء القادم من صدر نجمة أرهقتها الحياة، أما (أوراق منهزمة) فيتضمن 56 قصيدة تتفاوت بين التفعيلة وقصيدة النثر، ويغلب عليه طابع الألم والأرق والقلق والحزن، لأن هذا الطابع أشعر بأنه يمدني بإكسير الحياة، وأرى نفسي بين أحضانه تتناوشني أمواج الألم وفروع الحزن ومدائن الفوضى، وجميع النصوص جاءت لتعلن تمرداً على الوجود وعلى لعبة الحياة، أو بالأحرى كذبة الحياة، فأي حياة هذه التي نحن نعيشها، تحت وطأة الحرمان، والموت ينتزع أحبابنا وأصدقائنا؟ النصوص جاءت لتعلن أننا موتى بلا روح تطاردنا حياة البؤس والقلق. } ذكرت مرة أنك استبحت الاحتراق وأدمنت العذاب، هل أشعارك تشكو استلاب الرجل للمرأة؟ استباحي للاحتراق، ليس بالضرورة سببه التخلف والقهر واستلاب الرجل، ولكن شعور الفرد منا بالغربة الداخلية: غربة الذات، الوجود، يجعلنا ندمن العذاب، ونمارس طقوس الاحتراق، ونرحل في دهاليز الانهيار، يطاردنا الغيب بأشرعته المتناثرة بين ضلوعنا، فندوخ وندمن الألم ونستبيح الاحتراق. } كتبت العديد من القصائد عن فلسطين وبغداد وبيروت ودمشق، وتجاهلت القاهرة أم الدنيا، لماذا هذا التجاهل؟ الموضوع ليس تجاهلاً بحد ذاته بقدر ما هو ارتباط روحي ببغداد، عشقي الدائم، فأنا ولدت وفطمت على حب بغداد، إنها حب طفولي، لأني عشت برهة في العراق، وتعلقت بها منذ الصغر، ولعبت في شوارعها، وشربت من مائها، وعرفت ما جرى بها، وما يجري حالياً كفيل بإصدار معلقات في حبها، وأما فلسطين، فقد فتحنا أعيننا عليها، ونحن على كراسي المدرسة الابتدائية، عشنا نكباتها واحتلالها، فأي شاعر لا بد وأن يتأثر بذلك. } كيف ترين الحركة النقدية في السلطنة الآن؟. طبعاً المشهد الثقافي في السلطنة يفتقر إلى النقد، وإن وجد فإنه تحت عباءة المجاملات، ونحن نحتاج إلى النقد البناء الذي يبني القصيدة والشاعر، وليس نقد المجاملات. } هل المسابقات الشعرية تعبر عن وزن الشاعر وقيمته؟ هل الشعر العماني أكثر تألقاً وإبداعاً من الأشكال الإبداعية الأخرى كالرواية والقصة والفن التشكيلي؟ لا يمكن الحكم على تميز شاعر أو شاعرة بالاعتماد على تصويت الجمهور، لأن المشاهدين متذوقون للشعر ولكنهم ليسوا نقاداً، وأما عن تألق الحركة الشعرية في عمان أكثر من الفنون الأدبية الأخرى، فهذا واقع مسلم به، نظراً للزخم الشعري الموجود في السلطنة ولكثرة شعرائها، لا سيما وأنها موطن الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض.