مظاهر احتفالية، تزدان بها صالات الولادة في المستشفيات وباحات المنازل وغرفها، مرة بالأزرق وأخرى بالوردي، حلوى كثيرة تفيض على الحاضرين والزوار، ليس لها وزن أو تأثير في جعل أيام القادم الجديد حلوة، فالاحتفالات والزينة لا تتصل بالروح، ولا حتى تداعب ذكرياته بعد أن تمضي قليل سنوات، وتخمد الفرحة، ويغدو الطفل إلى مصيره، فأبواه يتركانه أو يهملانه أو يسعدانه. في بيتنا طفل، ليس حفلاً ولا وليمة عشاء، بين يدينا طفل يعني أننا حُمِّلنا مسؤولية عظيمة، تكليفاً بحماية بذرة جديدة في أرض المجتمع، بتشييد روح قد يكون لصاحبها أثر كبير وفاعل في إحداث حضارة أو تطوير، مسؤولون عن حراسة ذهنه ورعاية بدنه وصون شرفه وكرامته، في بيتنا طفل يعني أننا وُكِّلنا مسؤولية إنسانية ودينية واجتماعية كبرى تبدأ في احتفالات ولادته ولا تنتهي باحتفالات زفافه. أن ترزق طفلاً، هي أن توضع بين يديك أمانة، أمل بحياة مشرقة إن أنت أحسنت رعايتها، وعد بغدٍ أفضل إن أنت صنتها روحاً وعقلاً وجسداً عن المُلِمَّات، أن تمنح فضل التكليف من الخالق لتنشئة روح بريئة طاهرة، هي فرصة لك لأن تعكس كل ما تحب من الفضائل لأن تزرع فيها كل ما يعجبك من الصفات، لأن تجلو ما صدئ من نفسك وتمحو ما تراكم عليها من غبار لتكون مرآة جميلة لبراءته، أن يكون في بيتك طفل، فهذا يعني أنك مُساءَلٌ عن أمانة، يجب أن تؤديها كما قُدِّمَت لك، بفطرة نقية سليمة، أن ترعى البذرة مادامت بين يديك وتبقيها مزهرة ناجحة ألقة سعيدة. في دولة تُعلي حقوق الإنسان وتأمر بالعدل، يبقى السؤال ملحاً حول انتهاك حقوق الطفل حيناً والتفريط بها أحياناً، ويظل الهاجس هو: كيف سُتحمى هذه البذرة الغضة إذا ما كان حارسها مفرطاً؟! سن القوانين لحماية الطفل إحسان من حكومة لا تألو جهداً لسد الذرائع وردم الفجوات لتحصين بذورها وغراس مستقبلها، ولكن الأجدر والأحرى أن ينجز أصحاب الغرسة واجبهم، وأن يؤدوا أدوارهم ومسؤولياتهم على وجهها الصحيح، ألا نرى طفلاً يثقف نفسه بأمور الحياة دون رقيب حتى يلتقط ثقافات فاسدة، ألا يُترك طفل وحيد مع شقاوته لا حامي له منها، ألا يبقى في غرفة واسعة باردة من الحب، وهو أحوج إلى حضن دافئ يحتويه، أن تراعى قدراته وطاقاته وإمكانياته ولا يُحمل بخلافها، جميل أن نرى الجهات والمؤسسات حريصة على حماية الطفل، ولكن الأجمل أن نرى هذا الحرص لدى أسرته.