ما زالت السلطات الفرنسية تلزم جانب الحذر إزاء المعلومات والتحليلات الخاصة بالأسباب التي أفضت إلى سقوط الطائرة المصرية، وتحطمها في البحر مقابل شاطئ الإسكندرية. ومرة أخرى، اعتبر وزير الخارجية جان مارك أيرولت، الذي استقبل أهالي وأقارب الضحايا الفرنسيين أمس في مقر الوزارة، أن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات وهي «لا ترجح أيًا منها». وبحسب أيرولت، فإن «المعلومات المتداولة هنا وهناك والمتناقضة أحيانا تؤدي إلى تفسيرات تصبح بمثابة حقائق». أما بالنسبة للأولويات، فإن باريس كما القاهرة، ترى أن أولى الأولويات هي «البحث عن الطائرة من أجل العثور على الصندوقين الأسودين لتحليلهما، ما سيمكننا من الحصول على ردود على التساؤلات المشروعة». وعمدت فرنسا إلى إرسال طائرة استطلاع وسفينة حربية للمساعدة في البحث عن الطائرة، كما أوفدت ثلاثة ممثلين لهيئة سلامة الطيران، بجانب خبير فني من شركة إيرباص إلى القاهرة للمساعدة في التحقيق. وتمشط القوات البحرية المصرية، بمساعدة سفن فرنسية وغيرها منطقة شمالي الإسكندرية إلى الجنوب، من مكان فقدان الاتصال بالطائرة في وقت مبكر من فجر يوم الخميس. بالطبع، أبرز التساؤلات تتعلق بما حصل في الطائرة ما بين آخر اتصال لقائدها ببرج مراقبة يوناني في الساعة 12 وخمس دقائق بتوقيت غرينتش، والساعة 12 و29 دقيقة عند اختفائها عن شاشات الرادارات بعد دخولها الأجواء المصرية بنحو عشرين كلم. وجاءت المعلومة التي أكدتها هيئة سلامة الطيران الفرنسية المسماة «مكتب التحقيقات والتحليل» الفرنسي الذي يشارك في التحقيق المصري، أن مجموعة من الإنذارات الآلية «ثلاثة» صدرت عن أجهزة الطائرة، وتشير إلى وجود دخان في ثلاثة أماكن هي: قمرة القيادة، والطبقة الموجودة تحتها والتي تتضمن أجهزة التحكم الكهربائية والإلكترونية، وأخيرًا في أحد المراحيض القائم وراء القمرة. بيد أن هذه المعلومات التي ترسل من الطائرة آليًا ومن دون تدخل الطيار أو مساعده أو الطاقم توفر عناصر تساعد على تفهم ما حصل للطائرة في الدقائق العشرين الفاصلة بين آخر اتصال وبين اختفائها عن شاشات الرادار، لكنها لا تبين سبب وجود الدخان. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ناطق باسم المكتب المذكور أن «الأمر لا يزال مبكرا جدا لتفسير وفهم ملابسات الحادث، ما لم نعثر على الحطام والصندوقين الأسودين، وأولوية التحقيق هي للعثور على الحطام، والصندوقين اللذين يسجلان بيانات الرحلة». يرى خبراء في الملاحة وفي صناعة الطائرات أن الحريق الذي تسبب بتسرب الدخان إلى قمرة القيادة، وأماكن أخرى في الطائرة يمكن أن ينتج عن تماس كهربائي، أو عن مشكلة تقنية، أو يتسبب به انفجار قنبلة. لكن الثابت بحسب الخبراء أن الوقت القصير الذي انقضى بين آخر اتصال بطاقم الطائرة وبين سقوطها يعني بشكل أكيد أن ما حصل، أيا كانت مسبباته، جاء عنيفا، بمعنى أنه لم يترك لقائد الطائرة ولمساعده الفرصة للإبلاغ عنه، ولإرسال إشارات النجدة، كما لم يترك لهما أية فرصة لإعادة التحكم بالطائرة التي هوت عن ارتفاعات شاهقة. أما الحريق المفتعل، فيما لو كانت هذه فرضية العمل الإرهابي هي الصحيحة، فيمكن أن ينتج عن تفجير قنبلة داخل مقصورة الركاب، أو في أحد المراحيض، أو عن طريق إشعال النار بأوراق أو مناشق أو أشياء مشابهة. ويعيد الخبراء إلى الأذهان محاولة إرهابية حصلت قبل عدة سنوات، عندما حاول راكب إشعال حذائه في رحلة لطائرة متوجهة من باريس إلى لوس أنجليس، لكنه لم يفلح في ذلك، وألقي القبض عليه وهو يرتع اليوم في السجن. من جانبها، نقلت وكالة «رويترز» عن خبير في الطيران اسمه ديفيد ليرمونت أن «المسألة الآن هي ما إذا كانت النار التي تسببت في الدخان ناتجة عن عطل كهربي - تماس كهربي على سبيل المثال تسبب فيه تلف أسلاك - أو ما إذا كان شكلا ما من المتفجرات، أو جهاز إشعال استخدم من قبل إرهابي لإشعال حريق أو ضرر آخر». وكتب ليرمونت في مدونة أن بيانات «أكارس» التي تصدرها الطائرة آليا تشير إلى أن الحريق انتشر بسرعة «يمكن أن تفسر حقيقة أنه لم تكن هناك إشارة استغاثة». بيد أن خبراء فرنسيين يلاحظون أن أية جهة إرهابية لم تعلن مسؤوليتها عن تفجير الطائرة، بعكس ما حصل في حالة تفجير الطائرة الروسية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد انطلاقها من شرم الشيخ، والتي أسفرت عن مقتل 224 شخصا، غالبيتهم من الروس العائدين من منتجع شرم الشيخ. بالنظر للمعطيات المتوافرة وهي قليلة، ثمة إجماع على أن حل لغز الطائرة المصرية لن يتحقق طالما لم يتم العثور على هيكل الطائرة، وعلى الصندوقين الأسودين. لكن الصعوبة بحسب أحد الخبراء هي مزدوجة، فمن جهة، سقطت الطائرة المصرية في منطقة بحرية يتراوح عمقها ما بين ألفين وثلاثة آلاف متر، ما يعني أن عملية إخراجها، في ما لو تم العثور على موقعها سيأخذ وقتا طويلا. ومن جهة ثانية، فإن الذبذبات الصادرة لمدة ثلاثين يوما عن الصندوقين الأسودين اللذين هما في الواقع برتقاليي اللون ستكون ضعيفة، بسبب العمق الكبير، ما سيتسبب في صعوبات كبرى لرصدها، وبالتالي إخراجهما من المياه. ثم هناك أمر آخر هو حالة الصندوقين، إذ إن انفجارًا كبيرًا يمكن أن يصيبهما بالضرر، وبالتالي سيعقد عملية استغلال المعلومات التي يتضمناها. أول من أمس، أفادت وكالة الفضاء الأوروبية بأن قمرا صناعيا أوروبيا رصد بقعة نفط في البحر المتوسط على بعد نحو 40 كيلومترا جنوب شرقي آخر موقع رصدت فيه الطائرة قبل اختفائها. لكن خبيرا في الملاحة بدا بالغ الحذر إزاء هذه المعلومة، إذ اعتبر أنه من الصعب التأكد من أن بقعة النفط عائدة للطائرة المصرية وليس تفطا أفرغته بواخر الشحن التي تتخلص أحيانا من قعر حاوياتها في البحر. وتكمن أهمية معلومة الوكالة الأوروبية أنه لو صحت فإنها تعني أن الطائرة لم تنفجر في الجو، لأنها لو انفجرت لكان الكيروزين الذي تحمله قد احترق.