قبل عدة سنوات جمعتني رحلة عمل لمدة ثلاثة أيام مع زميل قدير في الخمسين من عمره، يعتبر أحد الكفاءات الإدارية التي يشار إليها بالبنان إثر مهاراته وخبراته وقراراته، عانيت معه خلال الرحلة كونه يريد مني أن أكون بجواره دائما، في البداية اعتقدت أنه يحتاج إلى مساعدتي العملية، لكن اكتشفت أنه يريد أن أكون بجواره في المطعم وحتى رحلاته القصيرة بالسيارة. مازلت أذكر ردة فعله عندما رفضت طلبه بأن أرافقه في السيارة خلال رحلة قصيرة لا تستغرق سوى ساعة بسبب ارتباطي باجتماع في التوقيت نفسه. ألح علي أن أكون معه، اعتذرت له بشدة واستعرضت أمامه رسالة طلب الاجتماع وأهميته للمشروع الذي أعكف عليه، فوجئت به يرجوني أن أعتذر من الاجتماع وأرافقه، حينما تمسكت بموقفي، قال لي سأعترف لك بسر، لدي مشكلة مزمنة، أخاف أن أسافر وحدي أو أكون في مبنى أو منزل لوحدي. أرجوك أن توافق الآن، أشفقت عليه ورافقته بعد اعتذاري من اجتماعي، بيد أني قرأت كثيرا عن معاناته واكتشفت أن هناك اضطرابا يسمى "رهاب الوحدة"، وله عدة أسماء باللغة الإنجليزية وهي: Monophobia Autophobia Isolophobia ومن أعراض هذا الرهاب: البحث عن رفيق بشكل دائم، وعدم القدرة على البقاء في المكان وحيدا، وكذلك عدم التركيز والشعور بالإغماء، ومن بين الأعراض أيضا، جفاف الفم والغثيان والخدر الخفيف والشعور بالبرودة أو الحرارة وتسارع نبضات القلب والخوف من الموت. وبخصوص العلاج فهو كأي مريض يحتاج إلى مساعدة طبية عاجلة عبر طبيب نفسي، ومن أبرز الحلول بعد الاعتراف به كمشكلة: 1 - الاستماع إلى الإذاعة: إذا كنت في السيارة أو في غرفتك حاول أن تستمع إلى البرامج الإذاعية، ستشعر بأنك لست وحيدا، سيخفف عليك شعور الوحدة. 2 - افتح التلفزيون: حتى لو لم تشاهده، فالضجيج الذي يندلع منه قد يهدئ من روعك ويريحك. 3 - التدرج: حاول أن تواجه الوحدة، أجبر نفسك على البقاء لوحدك فترات قصيرة وتزداد مع مرور الوقت. 4 - تأمل: من الحري أن يؤمن ويدرك المصاب بهذا الرهاب بأن الوحدة والعزلة القصيرة هي متنفس للكثير من المبدعين، وأنها قد تفتح بابا أكبر له متى ما استثمرها بشكل ذكي، فيجب أن يعمل المصاب على التعامل مع إصابته بجدية حتى يتخلص من رهابه ويستمتع بوحدة يتوق إليها الملايين.