كلّ معارك الانتخابات البلدية في المدن والبلدات الكبرى في لبنان، تُخاض على أساس الاصطفافات السياسية المغلّفة بالعناوين والمشاريع الإنمائية، باستثناء معركة بلدية صيدا التي تقرع طبولها منذ أسابيع، ويجرى التجييش لها وفق الحسابات السياسية، القائمة على تكريس الأحجام والنفوذ داخل عاصمة الجنوب. لا شكّ أن التحالفات السياسية بقيت كما هي، وكذلك التموضعات الحزبية، وما دام أن الحلف الذي أوصل البلدية الحالية برئاسة المهندس محمد السعودي ويضمّ تيار «المستقبل» و«الجماعة الإسلامية» وفاعليات صيداوية بارزة، لم يتغيّر، فهو قادر على تكريس انتصاره مرّة جديدة، لكنّ ثمة عامل مهم لا يمكن إغفاله، وهو الثقل الشعبي المحايد عن سياسيات الأحزاب والقوى النافذة، بالإضافة إلى القوى الإسلامية ذات التأثير الملحوظ على الساحة الصيداوية. عشية إغلاق باب العودة عن الترشيحات لانتخابات الجنوب، رست البورصة على لائحتين مكتملتين، وثالثة غير مكتملة؛ الأولى «لائحة إنماء صيدا» التي يرأسها رئيس البلدية الحالي محمد السعودي، والمدعومة من «المستقبل»، خصوصًا رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري، ومن «الجماعة الإسلامية» والدكتور نزيه البزري، وهي تقدّم برنامجًا يتضمّن ما يزيد على 30 مشروعًا تتعهّد بإنجازه، لتضاف إلى نحو 20 مشروعًا أنجزتها هذه البلدية خلال ولايتها التي شارفت على الانتهاء، ووضعت في خانة المشاريع الحيوية لصيدا، وأهمها معمل النفايات الذي جعل عاصمة الجنوب وحدها بعيدة عن أزمة النفايات التي شهدها لبنان على مدى 8 أشهر. الثانية «لائحة صوت الناس» برئاسة المهندس بلال شعبان، المدعومة من «التنظيم الشعبي الناصري» برئاسة النائب السابق أسامة سعد، و«حزب الله»، و«حركة أمل» والحزب الشيوعي اللبناني، والحزب الديمقراطي الشعبي، فإلى جانب الرمزية السياسية للمواجهة، تعهّدت هذه اللائحة بتقديم إنجازات كبيرة للمدينة، على رأسها تأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة، وتجديد البنى التحتية، ووضع المدينة على اللائحة السياحية. أما الثالثة فهي «لائحة أحرار صيدا» غير المكتملة والمؤلفة من 9 أعضاء فقط، برئاسة المسؤول السابق في «الجماعة الإسلامية» علي الشيخ عمار، وهي مشكّلة من قوى إسلامية ومحايدين، واختارت أن ترفع شعار مناصرة قضية الموقوفين الإسلاميين وعلى رأسهم إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، وهي تعوّل على أصوات القوى الإسلامية، خصوصًا تلك التي شعرت بالظلم خلال أحداث عبر التي أنهت ظاهرة الأسير، وكانت سببًا لتوقيفات طالت العشرات من أبناء صيدا، من دون أن تتجاوز برنامجًا يلحظ ما تحتاجه صيدا. منسق عام تيار «المستقبل» في الجنوب الدكتور ناصر حمود المرشّح على «لائحة إنماء صيدا»، أوضح أن «معركة صيدا تشبه إلى حدّ كبير المعارك التي حصلت وتحصل في المدن الكبرى، وهي تبدأ بشعارات تنموية لكنها تنتهي بالسياسة». وأكد حمود في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لائحة إنماء صيدا» مؤلفة من أعضاء البلدية الحالية التي يرأسها المهندس محمد السعودي مع تغيير 4 أسماء فقط، و«كل صيدا تعرف أن ما أنجزته هذه البلدية في السنوات الست الماضية كبير، بدءًا بمكب النفايات، إلى معمل النفايات، والحدائق العامة والميناء والبنى التحتية في الأسواق التجارية، ونحن لدينا مشاريع أخرى عاهدنا أهلنا في صيدا على إنجازها». وقال: «في ظلّ الوجود السياسي الواسع لتيار (المستقبل) في صيدا، الموجود فيها التنظيم الشعبي الناصري، بدأت المعركة تأخذ طابعًا سياسيًا، لكن نحن نخوض مع رئيس البلدية المهندس محمد السعودي والجماعة الإسلامية والدكتور عبد الرحمن البزري تحالفًا تنمويًا، حتى لو أخذ التنظيم الناصري المعركة إلى حلبة السياسة، وراح يطلق الشائعات ويطعن بلائحتنا عبر التشكيك بما أنجزته البلدية في السنوات الماضية». وفي ظلّ الاصطفافات السياسية، يبقى البحث مفيدًا عن خيارات الناخبين غير الحزبيين، فرأى حمود أن «(تيار المستقبل) اعتاد الصراحة مع جمهوره ومع كل أهل صيدا الذين يعرفون أين أصبنا وأين أخطأنا، وعليهم أن يحكموا على أدائنا في صناديق الاقتراع يوم الأحد». وأضاف: «هناك كثير من الصيداويين يقفون على الحياد، لكن الأكثرية منهم مصممة على الاختيار بين لائحة وأخرى». وتابع منسق «المستقبل» في الجنوب: «ليس خافيًا أن حملات تأليب الناس ضدنا متواصلة، لكن الصيداويين واعون ويعرفون كيف يختارون من يمثلهم ومن يقدم لهم الإنجازات بدل الوعود، وأكثرية هؤلاء يصبون أصواتهم لصالح لائحتنا، وهذا ما سيدفعهم إلى النزول بكثافة، في مواجهة حملات التجييش التي يتولاها التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديمقراطي وحلفاؤهما». من جهته، رأى أمين سرّ «اللقاء الوطني الديمقراطي» عصمت قواص، القريب من التنظيم الشعبي الناصري، أن «(لائحة صوت الناس) تعبّر عن تاريخ صيدا المقاوم لإسرائيل وعملائها». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه اللائحة «لديها رؤية ونهج يختلف عن رؤية ونهج بلدية محمد السعودي الذي هو نهج تيار المستقبل الذي أوصل المدينة إلى ما وصلت إليه من التراجع والعزلة عن محيطها، وبلغت حدًا غير مسبوق من الركود الاقتصادي والبطالة»، لافتًا إلى أن «الخطاب الطائفي الذي يتبعه تيار المستقبل، أدى إلى نوع من الحذر لدى القرى والبلدات المجاورة التي قاطعت المدينة وأحجمت عن التعاطي معها». وشدد قواص على أن «وصول (لائحة صوت الناس) سيمكن صيدا من تجاوز المرحلة السابقة، ويعيدها إلى سابق عهدها عبر إقامة المهرجانات السياحية والفنية والثقافية والسهرات الرمضانية». وقال: «مشروعنا يقوم على حلّ أزمة المياه والكهرباء وإنهاء حالة الفساد التي أسست لها قوى سياسية من خلال البلدية».