لعل المتابع للمشهد الدولي لا سيما بين العواصم الكبرى الثلاث (واشنطن وموسكو وبكين) يتساءل وعن حق: هل بات العالم على حافة الانفجار، وربما المواجهة النووية؟ لتكن البداية من واشنطن إلى موسكو، وخصوصًا بعد أن دشنت الولايات المتحدة أول قاعدة للصواريخ الأميركية، مزودة بنظام «يجيس أشور» في رومانيا، كجزء من الدرع الصاروخية على أطراف أوروبا الشرقية، والبقية تأتي تباعًا، حيث العمل قد بدأ فعلاً في بناء موقع عسكري مماثل في الأراضي البولندية. في شتوتجارت (جنوب غربي ألمانيا) استمعنا إلى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر مهددًا ومتوعدًا: «لن نتردد في الدفاع عن حلفائنا إذا تعرضوا لعدوان روسي». حديث آشتون ليس أجوف ولا فارغًا، فهو يعني بالفعل ما يقول، وهناك ترتيبات تجرى على قدم وساق لإرسال فرقتين أميركيتين إلى دول أوروبا الشرقية. هل كان لموسكو أن تقف عاقدة الأذرع على الصدور؟ بعد ساعات من تدشين قاعدة رومانيا، كان فلاديمير بوتين يلتقي قادة وزارة الدفاع الروسية ومؤسسات الصناعات العسكرية في منتجع «سوتشي» جنوب روسيا، وساعتها تفوه بالقول: «سنعدل خطط تسليح جيشنا بما يتناسب مع خطر الدرع الصاروخية». يؤمن قيصر روسيا إيمانًا مطلقًا بأن تلك المنظومة الخاصة بالـ«ناتو»، ليست دفاعية على الإطلاق، بل هي جزء من القدرات الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة، نقل إلى مناطق أخرى من العالم، وفي هذه الحال بالذات إلى أوروبا الشرقية. لم تفاجئ الدرع الصاروخية الروس، ذلك أن واشنطن تحاجج منذ فترة بحالة العوز الأوروبي لمزيد من الأمن في مواجهة أطماع بوتين، من هذا المنطلق كان الروس الأيام المنصرمة، ومن خلال العرض العسكري الذي جرى في الساحة الحمراء بمناسبة الذكرى الـ71 للحرب الوطنية العظمى، يبعثون برسائل نووية - جهنمية لمن يهمه الأمر. أحاديث المواجهة الكونية المحتملة تتسع مساحاتها بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن أن الجيش الروسي سيسحق قوات الـ«ناتو» المرابطة في جمهوريات البلطيق خلال ثلاثة أيام فقط، وقد رأينا ألمانيا ترفض نظريًا مساعدة بولندا إذا ما تعرضت لـ«هجوم روسي». يشتعل المشهد عالميًا، عندما ندرك أن روسيا قررت بالفعل تشكيل ثلاث فرق عسكرية جديدة لحماية حدودها الغربية، كرد فعل على الفرق الأميركية قريبة الانتشار. روسيا جادة في المواجهة إلى حد إثارة حالة من الهلع القريب من الهلوسة في البنتاغون.. هل أتاك حديث الصاروخ الروسي الجهنمي «شيطان2» كما يسميه حلف الـ«ناتو»؟ إنه الصاروخ «Rs - 28 Sarmat» الكفيل باختراق الدرع الصاروخية الأميركية، خفيف الوزن (100 طن)، الذي يحمل رؤوسًا نووية تزن 10 أطنان، ويحلق لمسافة أكبر من 11 ألف كيلومتر، العابر للقارات، والقادر على نسف مساحة جغرافية تعادل ولاية نيويورك أو الجمهورية الفرنسية. عطفًا على ذلك، فقد ظهرت من جديد صور الغواصة الروسية «أكولا» أو «العاصفة»، القادرة على تدمير نصف أميركا وكل أوروبا دفعة واحدة. هل بكين بعيدة عن المشهد التصادمي العولمي الآتي من بعيد؟ ينصحك الخبراء والمحللون العسكريون بالنظر إلى بحر الصين الجنوبي، ذلك أنه هناك قد تندلع الحرب العظمى التالية، وقد رأينا أخيرًا اختبارًا سريعًا من قبل واشنطن، عندما أبحرت السفينة «ويليام بي لورانس» في نطاق 12 ميلاً بحريًا حول جزيرة صناعية صينية متنازع عليها في بحر الصين، تدعى «فايري كروس»، لتأكيد حركة الملاحة، وتحدي المطالب الصينية بالسيادة في تلك المنطقة. تصف مجموعة من الأزمات الدولية في بروكسل بحر الصين الجنوبي بأنه «قمرة القيادة بالنسبة للجغرافيا السياسية في شرق آسيا»، وحال وضع هذه الحقيقة بجانب الاستراتيجية الأميركية المعروفة بـ«الاستدارة نحو آسيا»، يضحى لدينا يقين بأن المواجهة لا بد أن تحدث في لحظة بعينها وعند انفلات طرف ما لظرف لوجيستي، أو وفقًا لعناد آيديولوجي. والشاهد أن الصراع الثلاثي لم يعد قاصرًا على البر والبحر، بل انتقل إلى الفضاء، فقد نقل مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن روسيا والصين تصنعان ما يمكنهما من ضرب الولايات المتحدة الأميركية في الفضاء، من خلال تطوير تكنولوجيا يمكن أن تعطل البنية التحتية للأمن القومي التي أنشأتها الولايات المتحدة في الفضاء عبر عدة عقود خلت. تستعد واشنطن لملاقاة الروس والصينيين بما لم يخطر على قلب بشر، هذا ما تضمنته «استراتيجية التوازن الثالثة» التي كشفت عنها صحيفة «ناشيونال إنترسيت» الأميركية أواخر أبريل (نيسان) الماضي، وهدف تلك الاستراتيجية أن تظل السيادة والريادة المطلقة لأميركا.. إنها التطبيق الحرفي والنصي لاستراتيجية المحافظين الجدد.. القرن الحادي والعشرين قرن أميركي بامتياز.. هل من آليات لتلك الاستراتيجية؟ قطعًا إنها تمضي من خلال عسكرة الكون عبر ثورة في مجال الأسلحة التي تتمتع بسرعة الضوء مثل الليزر والريلغان، التي تصل بالقذائف لسرعات عالية ومميتة، ناهيك عن أنظمة الحرب الإلكترونية، بالإضافة للأجهزة المعتمدة على الطاقة الكهرومغناطيسية، التي يمكنها أن تغير جذريًا من سير الحروب في مواجهة الأسلحة التقليدية.. مصير العالم إلى أين؟ ما بين مجال الطاقة الموجهة للعسكرية الأميركية وصواريخ روسيا الشيطانية، يتأرجح مصير العالم بين الانتحار ذات لحظة، والقلق نهارًا والأرق ليلاً، ساعات طوال، ولله الأمر من قبل ومن بعد.