النص الشعبي في بنائه المعماري والفكري مر بمراحل غريبة لا تخضع للسياق المتنامي ربما لأن النص الشعبي نص مشافهة وبالتالي ظل ردحًا من الزمن مفتوحًا للمحاكاة في بنائه المعماري الهيكلي؛ كما كان النص الجاهلي، والغريب البون الشاسع في التساير بين معماريتي النص الشعبي والفصيح حتى عند الشاعر الواحد الذي يقول وينشىء النصين إذ تراه متى ما ترجل عن مضمار النص الفصيح دخل في مضمار جديد له خصائصه البنائية ومعماره المقدس الموروث كما كان عند ابن خميس مثلا وحسين سرحان. وقد يخطئ بعض الباحثين والدارسين حين يضع سببًا لذلك بربط النص الشعبي بالأمية والسماع. ولو تتبعنا النص الشعبي بعد حقبة ما يمكن أن نطلق عليهم جيل الشوامخ والرموز بدءًا بابن لعبون وتركي بن حميد ومرورًا بالعوني والسبيل وانتهاءً براشد بن كليب.. وتغيرالوظيفة الشعرية ومفهومها من الرصد والترديد المكرور وكأن البناء النصي واحد مع تغير طفيف في المعاني والبحر والقافية.. لم يكن هذا المكرور - بفعل الصيرورة الحياتية والتغير الكبير في الحياة ومظاهر الحياة الحديثة التي غيرت في الكثير من الأنماط والسياقات، وبالتالي أصبح النص مستجيبًا لوطأة التغيير بالصورة التي تمثل انسان المرحلة ومكانه بكل ما يحمله من معطيات العصر وتعقيداته، وكذا الإيقاع الحياتي السريع بتداخلاته وتعقيداته الكثيرة والكبيرة قد أثر في أشياء كثيرة. إن ايقاع المدنية الصاخب الذي نسمعه في شوارع المدينة لن يترك آذاننا دون أن يحشوها بتعبئة منه نعتادها ونطلبها ونروق لها، وتتشكل بالتالي في المعادل الفني لاشعورًا. والغنائية التي تكرست في الأذن الشعبية من خلال المكرور النصي والتجربة البدائية البسيطة في المعاني والأفكار ورصد المحسوسات أو التشبيه بها أو لها..جعلت الشاعر الشعبي يبحث عن أفق نصي يصف واقعه ويمثله كشاعر مثقف واعٍ مطلع ومتفاعل.. فأتت الثورة ضد التقليدية وضد الصور والتراكيب المبتذلة والمكرورة..فصارهناك فريق ينسف البناء المعماري القديم ويهاجمه ويسفه القوم تماما على شاكلة أبي نواس حين هاجم الواقفين على الرسم الدارس ونشأ عندنا ماكنا ولازلنا نسميهم شعراء التجديد.. وفريق آخر ظل محترما ذلك البناء سائرا على منواله حتى يومنا هذا.. وآخرون كانوا بين أولئك يحترمون الروح التقليدية كروح ونكهة لا كصبغة واجترار. • نظرة للأفق البعيد (قطعة السكر) للشاعر احمد الناصر الأحمد ياقطعة السكر وذرات الإحساس في نكهتك حسيت بأهلي وناسي أخفيت كاسي عنك نادى لك الكاسي حتى قدرت تصبني وسط كاسي في الفضاء الذي يتحرك فيه النص مساحة ممتدة من كيمياء الخيال ولذة الامتزاج والتحول وتتبع الصيرورة.. قطعة السكر والماء والكأس..والذوبان والتلاشي والامتزاج ينتهي الآخر بتتبع لذيذ لتلاشي الحجم والكتلة..(ياقطعة السكر وذرات الاحساس) اعلان منذ البدء عن مادة الامتزاج والذوبان (ذرات الاحساس) حيث الذوبان/التلاشي واللا ذوبان اللا تلاشي. على هذه الثلاثية يقوم بناء النص (قطعة السكر – الماء – الكأس) وتتداخل الروح الشاعر لتضفي لهذه الماديات المجردة الروح العاطفي وكامل البناء الوجداني متقافزة بين مراتب, الإدراك والوجدان والشعور.. أنت أمام النص إزاء بناء معنوي جديد يتخذ من فكرة المحور الفلسفي مادة النسج في فضاء يقوم على المشاكلة في البناءات الاستعارية في التصريح والكناية – فضاء مداره التشبيه ليس في مفرداته وانما في كلياته ولحمته وبنائه.. وبعيدًا عن الإنشائيات..النص يستحق الإعاده والاحتفاء. المزيد من الصور :