بر إلياس- أ ف ب لم يكن فقدان اللاجئ السوري أحمد المصطفى 3 من أطفاله الرضَّع تِباعاً سبباً وحيداً لمعاناته، فهو لم يجد أيضاً مقبرةً لدفنهم. وشأنه في ذلك شأن عديد من العائلات السورية التي تفقد أحد أفرادها في لبنان. ويروي أحمد (29 عاماً)، عامل البناء الذي نزح قبل 5 أعوام، معاناته بعدما رُزِقَ وزوجته بـ 3 أطفال تُوفُّوا واحداً تلو الآخر لأسبابٍ صحية. ويقول بحسرةٍ وهو يقف أمام خيمته المتواضعة التي باتت منزله «في كل سنة؛ كلما يولَد طفل يُتوفَّى، والمشكلة تكمن في إيجاد مكان لدفنه». وبعد وفاة طفله الأول عن عمرٍ ناهز 3 أشهر؛ لجأ الأب إلى أحد معارفه في بلدةٍ مجاورة. ووفَّر قريبه مساعدةً له ما سمح بدفن الجثمان في مدفن العائلة. ومع وفاة الطفل الثاني بعمر 5 أيام؛ اضطر أحمد المتحدِّر من حلب والمقيم حالياً في مخيَّم عشوائي في بلدة بر إلياس اللبنانية إلى «فتح القبر القديم لدفنهما معاً». لكنه لم يجد خياراً عند وفاة الطفل الثالث عن عمر ساعتين إلا دفن الجثمان في بلدة الفاعور المجاورة بعد وساطةٍ من شيخ. لذا؛ فإنه يدعو الجهات المعنيّة إلى تخصيص قطعة أرض للاجئين غير صالحة للزراعة «لدفن موتانا فيها». مدافن ممتلئة ويقيم أحمد وزوجته مع ولديه البكر في بر إلياس التي يقول مسؤولون محليون فيها إن عدد سكانها البالغ أساساً 50 ألفاً تضاعف منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين. ويذكُر مسؤولون محليون أن مدافن البلدة، الواقعة في البقاع (شرق لبنان)، كانت ممتلئة حتى قبل بدء موجة اللجوء إلى بلدٍ بات يستضيف أكثر من مليون لاجىء سوري بواقع ربع سكانه. وهذه النسبة هي الأعلى في العالم بالمقارنة مع عدد السكان. و»لم يعد للمدفن القديم قدرة استيعاب لا للمواطنين ولا للسوريين»، بحسب رئيس بلدية بر إلياس السابق، سعد ميتا. وتقع مقبرة البلدة على تلَّة صغيرة، وتضيق بالمدافن المتراصة التي تحيط بها الأعشاب البرية والزهور، حتى بات على زائريها السير بحذر لعدم الدهس بالخطأ على أي مدفن. ووفقاً لميتا؛ يوجد حوالي 70 ألف لاجئ سوري في البلدة، وهم يشكلون ضغطاً كبيراً على البنى التحتية كشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دفن الموتى. و»يُسجِّل معدل الوفاة لدى اللاجئين نسبةً أعلى مما هو عليه لدى اللبنانيين كونهم أكثر عرضةً للخطر»، وفق السلطات والمنظمات الدولية. وفي غياب أي إحصاءات رسمية؛ يوضِّح ميتا أن سورياً واحداً على الاقل يُتوفَّى كل أسبوع في البلدة. الدفن سراً وقد يتمكن بعض السوريين من إيجاد مكانٍ لدفن موتاهم بتكلفة تصل أحياناً إلى 250 دولاراً أو أكثر، وهو مبلغ لا تملكه غالبية اللاجئين. وفي مخيم لجوءٍ خارج بر إلياس بين حقلين مزروعين بالبطاطس والكوسة؛ تحدثت لاجئة شابة، رفضت نشر اسمها، عن دفنٍ سري لجنينِها الذي وُلِدَ ميتاً. وروت أن حارس إحدى المقابر في قرية قريبة رفض السماح لزوجها بدفن الجنين وقال له «لا يُسمَح للسوريين بدفن أطفالهم هنا». وافتتحت البلدة الشهر الجاري مقبرة جديدة للبنانيين على أن يُخصَّص جزء صغير منها للسوريين. وصرَّح مدير هيئة إغاثة اللاجئين التابعة لدار الفتوى في البقاع، الشيخ وسام محمد عنوز، بأن المقبرة الجديدة ستتضمن بين 10 إلى 20 حفرة مزدوجة «لإخواننا السوريين». مع ذلك؛ أقرَّ عنوز بأن هذا الحل يبقى مؤقتاً. ولفت إلى محاولته وزملاءٍ له في البقاع إيجاد قطعة أرض لتخصيصها للسوريين «لكن أحداً لم يكن مستعداً لبيع أرضه». وأوضح «إن كان سعر متر الأرض 10 دولارات؛ يصبح 50 دولاراً بمجرد أن يعلموا أنها ستصبح مدفناً». ويتمنَّى أحمد المصطفى لو أنه لم يضطرَّ للمجيء إلى لبنان أصلاً. ويقول «في سوريا لدينا أراضٍ ومنازل ورزق، لكننا أُجبِرنا على الخروج فارغي الأيدي»، مضيفاً بحسرة «بخلانين علينا بشقفة قبر؟».