×
محافظة المنطقة الشرقية

رمضان: فرحت للفرسان وبني قادس

صورة الخبر

عشية ما يسميه الإسرائيليون "عيد الاستقلال"، (استقلال من عن من؟) نشرت صحيفة "هآرتس" مقالة لمحللها السياسي تسفي بارئيل، تحوي تخيّلات مستقبلية عن انقلاب عسكري ينقذ فيه الجيش الديموقراطية الإسرائيلية من نفسها. واعتبر فيها أن "الهجوم الأخير على نائب رئيس الأركان العامة، اللواء يائير جولان، عقب تصريحه بشأن القيم التي تسود المجتمع الإسرائيلي، وتذكيره بأحداث وقعت في أوروبا وألمانيا على وجه التحديد قبل عقود، إنما يعني تدهورا واضحا في العلاقة بين المؤسستين العسكرية والسياسية". ورأى بارئيل أن "انقلابا عسكريا هادئا بدأ منذ أن أعلن رئيس الأركان جادي أيزنكوت تهميش الحاخامية العسكرية وسلب دورها التعليمي والتربوي القومي، والذي طالما مارسته على مدار عقود". لكن "الانقلاب العسكري لن يكون على غرار أحداث مثل احتلال الكنيست أو مكتب رئيس الحكومة أو محطات التلفزة والراديو، حيث ما زال الشعب الإسرائيلي يؤيد الجيش، لكن قيادة الأخير ليست واثقة من استمرار هذا الدعم في حال قام بخطوة من هذا النوع". لقد دخل مصطلح "انقلاب" بالعبرية "مهباخ" القاموس السياسي الإسرائيلي في أعقاب انتخابات الكنيست التاسعة في 17 أيار 1977 والتي كانت نتيجتها خسارة حزب العمل للحكم وفوز حزب الليكود به، وذلك للمرة الأولى منذ إقامة إسرائيل. واعتبر هذا التحول انقلابا سياسيا. وكانت دراسة عسكرية إسرائيلية أعدها عام 2004، قسم التاريخ في هيئة الأركان في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ونشرت في كتاب بعنوان "أصدر الأمر يا أشكول" (ليفي أشكول هو رئيس وزراء إسرائيلي سابق)، قد كشفت أن أريئيل شارون اقترح عشية حرب حزيران 1967 عندما كان قائدا لفرقة على رئيس الأركان آنذاك، إسحق رابين، تنفيذ انقلاب عسكري. وسبق أن أشير إلى رغبة شارون في قلب السلطة في إسرائيل. من قبل أكثر من رئيس حكومة بينهم مناحيم بيجن الذي أعرب عن خشيته من أن يجد نفسه ذات يوم في مقرّ رئاسة الحكومة الإسرائيلية مطوّقا بدبابات شارون. وقد تغيّرت كثيرا في السنوات الأخيرة النظرة للجيش الإسرائيلي. ورغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن ثقة الإسرائيليين لا تزال كبيرة بالجيش مقارنة بثقتهم في مؤسسات الدولة الأخرى، فإن هذه الثقة تراجعت. ولم يعد الجيش في واقع الأمر بوتقة انصهار بقدر ما صار تعبيرا عن واقع الحال. وهكذا فإن تغير الطليعة في المجتمع الإسرائيلي من الكيبوتسات إلى المستوطنات ترك أثره على الجيش الذي صار كثر من قادته من معتمري القبعة الدينية. وفي كل الأحوال يبدو اليوم أن الخلافات حول صورة الدولة العبرية ومستقبلها وأساسا حول التسوية مع الفلسطينيين لم تعد حكرا على الحلبة السياسية، بل انتقلت منها إلى صفوف الجيش. ورغم كل الكلام عن حرفية الجيش الإسرائيلي وابتعاده عن السياسة، فإن هذا الجيش، أكثر من أي جيش آخر منخرط في السياسة، بتجلياتها التكتيكية والاستراتيجية. ويعتقد أن مَن يدركون المخاطر الراهنة هم قادة الجيش. فأزمات الثقة التي وقعت بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع وجنرالات هيئة الأركان، ليست نتاج اختراع صحفي. وسبق لنتانياهو الدخول في فترات توتر مع الجيش، في عهد رئيس الأركان أمنون شاحاك، ومع جابي أشكنازي. وثمة من يعتقد من النخبة السياسية أن الجيش الإسرائيلي، مثل الشاباك والموساد أيضا، يفهم منذ سنوات طويلة بأنه لا حل عسكريا للمسألة الفلسطينية. والجيش يتحدث من تجاربه. فقصة سيطرته في الضفة الغربية وقطاع غزة هي قصة فشل. حيث يمكن الانتصار على جيش ما، ولكن لا يمكن الانتصار على شعب يملك دافعا للاستقلال. ويبدو أن الجيش مل دور حفظ النظام في مواجهة أطفال فلسطينيين، الاستثمار الهائل في الدفاع عن المستوطنين. هذا جيش الدفاع الإسرائيلي، وليس الاستيطاني. وعليه فلا غرو أن كل الضباط الكبار السابقين في الجيش الإسرائيلي تقريبا، وكذا قادة الشاباك والموساد، يؤيدون حل الدولتين. ويدور الحديث عن أشخاص مثل: بيني جانتس، جابي أشكنازي، دان حلوتس، شاؤول موفاز، يعقوب بيري، عامي إيالون، مئير دجان، شبتاي شفيت. ويلاحظ أنه نشأ في إسرائيل وضع ترى فيه النخبة الأمنية النزاع وحله بعيون واعية أكثر من النخبة السياسية. فالسياسيون تحركهم اعتبارات النفاق للجمهور، وبالتالي من الصعب تسويق السلام، إذ إنه يصنع مع الأعداء. ودخلت إسرائيل في سياقات فقدان طابعها اليهودي والديموقراطي، وفي الطريق إلى تحولها إلى دولة "أبرتهايد" منبوذة. يحتمل أن يأتي يوم يكون فيه قادة جهاز الأمن هم الذين يضغطون على السياسيين لإنقاذ المشروع الصهيوني من الانهيار إلى دولة ثنائية القومية. لكن ينبغي التأكيد على أنه في الحالة الإسرائيلية لا يمكن الفصل فصلا تعسفيا بين المؤسستين السياسية والعسكرية - الأمنية. إذ إنه ورغم مرور 68 عاما على إعلان قيام إسرائيل ما زلنا أمام كيان سياسي شاذ بنية ووظيفة، كونه ما زال مشروعا استعماريا استيطانيا إجلائيا قيد الإنشاء وتغلب عليه سمة الثكنة العسكرية. وعادة لا تحدث انقلابات في الثكنات بل حالات تمرد عابرة.