انحشرت روحية في السيارة الضيقة وسط الركاب في طريقها إلى المنطقة النائية التي يعمل فيها زوجها مراد خفق قلبها بشدة وهي تنتظر وصول السيارة لترىمراد الذي غاب عنها منذ عدة أشهر.أخذت تسترجع ذكريات حبها وتضحيتها بكل شيء في سبيل أن يجمعهما سقف واحد.. تذكرت كيف تعرفت إليه داخل الجامعة، حيث لم تكن وقتها قد تحدثت مع شاب من قبل وبمجرد أن رأته جذبتها عيناه الصافيتان وشعره الأسود الفاحم وجسده الرياضي الممشوق، وكثيراً ما تمنت أن تنتهي قصة حبهما بالزواج، فهي لم تتخيل يوماً أن تتزوج زواجاً تقليدياً كما حدث لكثيرات من صديقاتها، والحقيقة أن مراد كان تجسيداً حياً لفارس الأحلام الذي حلمت به، التفت فجأة ووجدها تحدق في عينيه وكأنها غائبة عن الدنيا لا تشعر بمن حولها، ورغم أنهما لم يكونا قد تعارفا من قبل ابتسم لها حتى غضت بصرها حياء واحمرت وجنتاها وأسرعت الخطى وهي تشعر وكأن عيون جميع من حولها تراقبها وكأنهم يعرفون ما تفكر فيه فهي في قرارة نفسها تشعر بالميل نحوه وترى أن مستقبلها في حياتها معه تحت سقف واحد.! وقتها رنت ضحكته في أذنيها وفعلت فعل السحر وحدثها قلبها أنه شعر بها وأنها نجحت في جذب انتباهه، وبالفعل لم يمر اليوم التالي حتى وجدته واقفاً عند باب كليتها وكأنه في انتظارها، تراجعت خطواتها حيث شعرت بشيء من الخوف وعدم الاطمئنان وهمت بالعودة من حيث جاءت، إلا أن عينيه جذبتاها وكأنهما مغناطيس سحري.. سلم عليها فشعرت بما يجذبها إليه نظراً لرقته وقدرته على استمالتها نحوه وهي تتمتم بكلمات مبهمة،سحبها من يدها وسألها عن اسمها فلم تستطع الإجابة، ووجدته يجذبها إلى ركن بعيد داخل الكلية، والغريب أنها لم تحاول المقاومة.. أسمعها كلمات لم تسمع مثلها من قبل مما جعلها تحلق في عالم من الخيال والأحلام الوردية، كان أول حب في حياتها الجافة وحلقت معه في أجواء وردية ومن يومها ارتبط قلبها به. مرت الأيام ويداهما متشابكتان وطافا في جميع أرجاء المدينة التي تقع بها كليتهما وأصبح لهما في كل مكان بها ذكرى، ولم يفترقا يوماً وبسبب علاقتهما فشلت ورسبت في الكلية لأول مرة في حياتها، ومع ذلك لم تحزن أو تهتم فيكفيها أنها نجحت في الفوز بقلبه علاوة على أنه نجح وتخرج في الكلية.تتابعت الأيام حتى أصبح محور حياتها وكل شيء فيها،تسعد لسعادته وتحزن لحزنه،وأخذ يسمعها من الكلمات ما جعلها طوع بنانه.. أخبرها بأنه يريدها لتشاركه حياته لكن ظروفه الأسرية في الوقت الحالي تقف حائلاً بينه وبينها، فهونت عليه الأمر وأخبرته بأنها مستعدة لانتظاره طوال حياتها، ويبدو أن الإجابة لم تحقق غرضه فبدأ يمتعض من نظرات الناس حولهما وكيف أنه لا يستطيع الانفراد بها ولا يتحمل فراقها وطلب منها أن يتزوجا عرفياً بصفة مؤقتة حتى تتحسن ظروفه.. ارتعش قلبها خوفاً من عائلتها لكن وافقت وبالفعل تزوجا ولم تتحقق وعوده لها، فقد كان يختلق الأعذار ويجد دائماً في قلبها ملاذاً آمناً ومحامياً بارعاً، ولم تعارضه في شيء وعاشت في ظله لا تلوي على شيء حتى لاحظ أهلها تغير حالها وامتناعها عن الطعام وشرودها الدائم.. راقبها أخوها ليكتشف سرها وبالفعل نجح بسهولة تامة في الوصول إلى الحقيقة، خاصة وأنها لم تكن تحاول أن تداري شيئاً. اجتمع أفراد العائلة وناقشوها وهددوها وهموا بقتلها لولا أنها سلمتهم ورقة زواجها العرفي، ووقتها استقر رأي العائلة على أن إعلان الزواج الرسمي هو الحل الوحيد لدرء الفضيحة التي تهددهم، وبالفعل استدرجوا مراد وحاصروه وواجهوه بعلاقته بابنتهم فلم يستطع الإنكار خاصة وهو يرى الشرر يتطاير في عيونهم، ووافق على الحل الذي عرضوه عليه وهو الزواج رسمياً وحتى يقطعوا عليه كل الطرق لم يطلبوا منه شبكة أو مهراً وكل الذي طلبوه منه هو الحضور أمام المأذون في الموعد الذي حددوه لكنه لم يحضر واختفى عن الأنظار حتى أهله أكدوا عدم معرفتهم بمكانه، وبحثت عنه روحية في كل مكان فلم تعثر عليه حتى أخبرها زميلهما علي بأنه سافر للعمل في إحدى مزارع منطقة نائية، فحملت حقيبتها وسافرت لا تلوي على شيء.. توقفت السيارة ونزلت مسرعة وسألت عن المزرعة حتى وصلت إليها لكنها فوجئت بأنه ترك العمل واختفى من دون أن يخبر أحداً عن الأسباب ما جعلها ترجح أنه علم من زميلهماعلي أنها في طريقها إليه.. مادت الأرض تحت قدميها وشاهدت أمامها عيون أهلها الغاضبة والشرر يتطاير منها، فهل تعود وهي تجر أذيال الخيبة مرة أخرى؟ هل تعود للعذاب ونظرات السخرية التي تلسعها وكأنها سياط من نيران؟ لقد جعل حبيبها الأمر يبدو وكأنه يرفضها ويتهرب منها.. لم تصدق نفسها وأسرعت إلى أقرب صيدلية حيث ابتاعت مبيداً حشرياً وهي تنوي أن تتناوله فالموت أرحم عندها من العذاب الذي ستشعر به في بعد حبيبها عنها، لكن لسوء حظها أو حسنه تصادف مرور السيارة الميكروباص التي جاءت فيها وتوقف السائق بجوارها وسألها إن كانت ستعود معه أم لا فوجدت نفسها بتلقائية تستقل الميكروباص في طريق العودة وظلت طوال الطريق تفكر فيما حدث لها والخديعة التي تعرضت لها، وكيف انتهت بها الحال إلى اتخاذ قرار بالانتحار وكأنها هي المجرمة بمفردها في حين أنها في الحقيقة كانت ضحية، وكان مراد شريكها في كل شيء بل إن ذنبه يزيد على ذنبها بمراحل، إذ هو الملوم وهو الذي يستحق الموت وليست هي وسرعان ما تحولت مشاعر الحب التي كانت تكنها له إلى بغض وكراهية واستقر رأيها على ضرورة الانتقام منه. بمجرد وصولها توجهت إلى منزل"علي"وأخبرته بما حدث وأوحت إليه أنها هربت من منزل أسرتها وتقيم في شقة مفروشة،وأنها كانت تبحث عن مراد باعتباره حبيبها وزوجها ولا يهمها رأي أهلها في شيء والمهم لديها أن تعيش معه في أي مكان،فهم"علي"الإشارة وقام بالدور المطلوب منه أوالذي خططت له كما ينبغي،وفي اليوم التالي وجدت مراد يحضر إليها في الشقة المفروشة فاستقبلته بحفاوة حتى استغرق في نوم عميق من شدة الإجهاد، وبكل هدوء غادرت روحية السرير وأحضرت حبل الغسيل وعملت منه مشنقة، وبأعصاب باردة لفت الحبل حول عنق مراد ثم قامت بجذبها بكل قوتها فلم تترك له فرصة للمقاومة وفارق الحياة على الفور، وعندما تأكدت من وفاته أصيبت بحالة هيستيرية وأخذت تبكي وتضحك وتصرخ حتى شعر بها الجيران. تم إلقاء القبض عليها وأمرت النيابة بإيداعها مستشفى الأمراض العقلية لبيان مدى قواها العقلية ومسؤوليتها عن أفعالها.