مع الانتخابات الرئاسية النمساوية المزمع إجراؤها في 22 مايو الجاري، يُكمل التوجه أوروبا نحو اليمين دائرة كاملة – مع العودة إلى البلد الذي شهد قبل ثلاثة عقود ميلاد حركة «اليمين الجديد» التي أخذت اليوم تجتاح القارة العجوز. اليوم، لم يعد حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف حالة معزولة في أوروبا، بل واحداً فقط من بين عشرات الأحزاب المناوئة للمهاجرين وللمسلمين بين فنلندا واليونان والتي أخذت تقلب رأساً على عقب التوافق الليبرالي التاريخي في أوروبا. عدد متزايد من هذه الأحزاب بات يفوز بمناصب علياً؛ غير أنه إذا تمكن حزب «الحرية» من الفوز في عطلة نهاية هذا الأسبوع، فسيجعل ذلك من النمسا أول بلد أوروبي خلال مرحلة ما بعد الحرب ينتخب يمينياً متطرفاً رئيساً للبلاد، كما أنه سيفتح الباب للحزب لتزعم الحكومة الوطنية المقبلة عندما يحين موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 2018. ووقتئذ، ستنضم النمسا إلى بلدان مثل بولندا والمجر باعتبارها دولاً سلطوية وغير ليبرالية أعضاء في الاتحاد الأوروبي مصممة على تقويض الاتحاد. مرشح حزب «الحرية» في انتخابات الرئاسة «نوبرت هوفر»، البالغ 45 عاماً، يدير حالياً حملة كلاسيكية لـ«اليمين الجديد»، حملة صدم نجاحُها حتى أنصار الحزب أنفسهم. هذا العالِم المهذب والوسيم – وهو مهندس طيران، وليس سياسياً – يسعى لنقل رسالة الحزب المناوئة للمهاجرين على نحو مختلف عن قبح أسلوب اليمين القديم أو أحزاب ذات إيديولوجيا مماثلة ولكنها أقل منه خبرة في بلدان أخرى من أوروبا؛ حيث يرفع هوفر شعارات فضفاضة مثل «نهوض النمسا» أو «النمسا أولاً»، شعارات تبدو غير مؤذية في ظاهرها، ولكنها تحمل بين ثناياها رسالة مفادها أن على النمساويين ألا يقوموا إلا بما يصب في مصلحتهم، فهو يرى أن على النمسا أن تبقي وتشدد نظام الهجرة التقييدي الذي تتبعه الحكومة الديموقراطية الاجتماعية- المحافظة الحالية؛ ولكنه يقول بشكل واضح وصريح إن المسلمين يجتاحون النمسا وإن الإسلام غير مرحب به في النمسا، وهي مشاعر يتفق معها معظم النمساويين. الموضوع الأول في النمسا هو اللاجئون – وسبل إبقائهم بعيداً. ويعمل حزب «الحرية»، المناوئ للهجرة والمهاجرين منذ عقود، على استغلال تغير سياسة الحكومة الائتلافية من موضوع اللاجئين. ففي عهد المستشار النمساوي فيرنر فايمان - الذي استقال الأسبوع الماضي من المنصب ومن زعامة حزب «الديموقراطيين الاجتماعيين»- وقفت فيينا إلى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث دعمت قرارها الترحيب باللاجئين الذي يمنعون من دخول المجر وبلدان أخرى، ولكن مع ارتفاع أعدادهم، تراجع النمساويون عن موقفهم السابق، فأغلقوا الحدود وقلّصوا تدفق اللاجئين. وفي النهاية، بدا كما لو أن الأحزاب الحاكمة، التي تتصارع في الوقت نفسه مع الأرقام الاقتصادية الضعيفة وارتفاع البطالة، قد أذعنت لمطالب حزب «الحرية». وهكذا، استطاع «هوفر» أن يتباهى بحزب «الحرية باعتباره «حامي مصالح كل النمساويين». وطيلة الحملة الانتخابية، ما انفك هوفر يشدد على نية حزبه في الإبقاء على الحدود مغلقة، وتعزيز الدوريات العسكرية على الحدود، وتقليص المزايا الاجتماعية لطالبي اللجوء. المنتقدون يشيرون إلى أنه ليس من الصعب الوقوف على آراء ومواقف حزب «الحرية» العنصرية والمعادية للأجانب. فـ«هوفر»، مثلاً، يعارض عضوية النمسا في الاتحاد الأوروبي، كما سبق له أن أدلى بتعليقات متعاطفة مع حركة «بيجيدا» الاحتجاجية الشعبوية في ألمانيا، وقد كان زعماء أحزاب «اليمين المتطرف» من بلدان أخرى، مثل مارين لوبين في فرنسا، وجيرت فيلدرز في هولندا، من أول المهنئين لهوفر يوم فوزه في الانتخابات. والواقع أنه من غير الصعب تخيل فوز حزب الحرية بالرئاسة، ثم الفوز من جديد في انتخابات 2018 العامة. وحينها، يستطيع حزب «الحرية» تشكيل حكومة، بل يمكن القول إنه لو أجريت انتخابات وطنية غداً، لفاز حزب «الحرية» بسهولة، وإنْ كان سيحتاج لشريك من أجل تشكيل ائتلاف، ربما يكون هو حزب «الشعب المحافظ»، وهو ما من شأنه أن يضع النمسا على طريق تحول للسلطوية على غرار ذاك الذي يحدث في المجر وبولندا، حيث استولى سياسيون يمينيون على الدولة وحادوا بها عن القيم الليبرالية الأوروبية.*كاتب أميركي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»